يحاول "آدم الصغير" القيام ليجلس.. يشعر بالعجز.. يتململ في نومته.. ويقول لنفسه: لا أستطيع القيام.. وليس بمقدوري الجلوس.. فما بالك بالجري.. ماذا يكون الموت غير هذا السكون الذي يلفني من كل اتجاه.. ينظر إلى جده "آدم الكبير" ويسأل:
- الشاب: متى أقوم يا جدي؟
- الشيخ: عندما تكتمل التجربة.. كل راقد وله قيامه يحيا بعدها.
- الشاب: أشعر أنني ميت بالحياة.
- الشيخ: جدي الترجمان كان يصرخ ويقول: "لا أستطيع الحياة بوجدان ميت".. كان يشعر بالحزن والأسى وهو يكسب رزقه الوفير من أيدي الفرنساوية.. كان يرى الألم والمذلة في أعين المصريين الذين أصبح واحداً منهم فتدور الدنيا برأسه.. كما تلف رأسك وتدور عندما يضيق صدرك ويطلب الهواء.. انظر:يظهر حسن الترجمان وهو يقف بين نابليون بونابرت والسيد محمد كريم.. يقول الترجمان:
- الترجمان: سيد محمد كريم صاري عسكر يتهمك بقتل جنود فرنسيين بسبب معصيتك الأوامر وتحريض الأهالي على المقاومة.
- محمد كريم: وماذا كان ينتظر مني أن أفعل؟
- الترجمان: يقول صاري عسكر عليك أن تدفع 30 ألف ريال فرانسة تعويض عما فعلته.. أنت رجل غني.. افتدي نفسك بالمال.
- محمد كريم: يعطيني مهلة.
- الترجمان: صاري عسكر يمنحك مهلة 12 ساعة.يظهر السيد محمد كريم وهو يناشد السيد أحمد المحروقي وكبار التجار والأعيان أن يجمعوا له المبلغ ولا يستجيب له أحد.. ينظر إليه حسن الترجمان وهو يعد الريالات التي حصل عليها من الفرنساوية مقابل الترجمة، ثم يتوقف فجأة وهو يسمع السيد محمد كريم يستجدي الناس قائلاً: "اشتروني يا مسلمين".
الترجمان يقول لزوجته: لم يشتره أحد ولو بنصف فضة.
- الزوجة: كم أعطوك اليوم.
- الترجمان: كل همك فيما أعطوني.. أنا أتمزق.. لقد أعدموا السيد بالبنادق.. وقطعوا رأسه وعلقوه على نبوت وطافوا به في ميدان الرميلة.. ماذا بقي بعد ذلك؟
- الزوجة: المهم.. كم أعطوك؟.
- الترجمان: لا أستطيع الحياة بوجدان ميت.يتوجه الشيخ "آدم الكبير" إلى "آدم الحفيد" ويقول له: الترجمان كان يربح كثيراً من شغلته، لكنه عجز عن قتل إحساسه..
ظل يشعر بالخزي وهو يرى نفسه أداة في يد ظلمة يستبيحون أرض وعرض ومال ودماء غيرهم..
وجاءت القاضية يوم إعدام "سليمان" قاتل كليبر.. حضر التحقيقات كترجمان بين "الحلبي" والقضاة الفرنسيين:
- الترجمان: يسألك عن اسمك وعمرك وصنعتك.
- الحلبي: اسمي سليمان ولادة بر الشام وعمري 24 سنة وصنعتي كاتب عربي.. وسكنتي حلب.
- الترجمان: يسألك كم زمان لك في مصر؟
- الحلبي: بقى لي 5 أشهر.
- الترجمان: يسألك هل تعرف الوزير الأعظم؟
- الحلبي: أنا ابن عرب ومثلي ليس يعرف الوزير الأعظم.
- الترجمان: يسألك هل أبلغت أحدا بمقصودك قتل صاري عسكر.
- الحلبي: السيد محمد الغزي والسيد أحمد الوالي والشيخ عبد الله الغزي.
- الترجمان: هل حدثك المشايخ أن المسلم مسموح له في قتل الكفار في مصر ليكتب له أجر ويقبل عند النبي محمد؟.
- الحلبي: ما فتحت سيرة المغازاة إلا لمن سميتهم.
حكموا على "الحلبي" بالإعدام، وحين حانت ساعة التنفيذ حضر "الترجمان" ليؤدي مهمته في الترجمة.
كان "سليمان" المسكين يسير مكبلاً، وقد أحرق الفرنساوية يده التي طعنت صاري عسكر، ومن ورائه الترجمان والأسى والشفقة يملآن قلبه..
وصل الركب إلى "تل العقارب" حيث قرر الفرنساوية "خوزقة" الحلبي على أن يترك على الخازوق حتى تأكل الطيور رمته..
صرخ "سليمان" وطلب شربة ماء لأن البعض نصحه بأنه إذا شرب الماء وهو على الخازوق مات سريعاً، كاد "الترجمان" أن يهرول إليه بطلبه، لكنه جبن. مات "سليمان".
وقف "الترجمان" أمام جثة "الحلبي" وهو يردد: مات بعد أن عاش تجربته، أما أنا فلابد أن أنهي هذه التجربة.