توقيت القاهرة المحلي 20:29:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحق فى الاختلاف

  مصر اليوم -

الحق فى الاختلاف

بقلم: د. محمود خليل

هذه الفكرة بحاجة إلى التذكير بها، وتتعلق بالتنوع والاختلاف بين البشر الذى يعد قانوناً من القوانين التى جبل الله تعالى الناس عليها: الاختلاف فى اللسان والألوان «وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ». والاختلاف فى الشرائع وطرق الحياة: «لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا». والاختلاف فى الهوية: «وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا». وقد نص القرآن الكريم على أن التوحد أو الواحدية فى التوجه بين البشر أمر يرقى إلى مرتبة الاستحالة: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ».

التنوع ما بين البشر أساس العمران، كما ذهب «ابن خلدون». غياب التنوع مهلكة للإنسان، وتعطيل للحياة.

لا يوجد إنسان مهما أوتى من قدرات يمتلك الحكمة كاملة، لو كان ذلك كذلك لاختفت فكرة المجتمع، ولأصبح كل فرد دولة أو أمة بذاته. مفهوم الفرد الأمة لا ينطبق حتى على الأنبياء المؤيدين بالوحى، هم أئمة للبشر ولا شك فى ذلك، فهم رسالة السماء.يقول الله تعالى: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً». ومعنى كلمة أمة فى الآية الكريمة إماماً يقتدى به الموحدون ومن أسلموا وجههم إلى الله تعالى.

نبى الله إبراهيم لجأ إلى الإقناع والإفهام عندما اختلف مع المشركين فى عصره، حاجج المشركين بالعقل والمنطق فى واقعة تحطيم الأصنام، وقرع «نمرود العراق» بالحجة حتى بهته. كان أبو الأنبياء عقلاً يمشى على قدمين، يبحث عن التجربة حتى فى مقام الإيمان بالله.

يقول الله تعالى: «وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْيِى الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى». لم يتركه الله تعالى وإنما أثبت له بتجربة حسية مباشرة عملية إحياء الموتى.التنوع سمة من سمات العقل الباحث عن الحقيقة، وخصلة من خصال النفس المؤمنة بأن كل «ابن آدم خطاء».

الأنبياء كانت لهم العصمة من الله. خاطب الله تعالى نبيه محمداً قائلاً: «وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا». نبى الله موسى طلب من الله تعالى أن يؤيده بوزير من أهله عندما هم بالذهاب إلى فرعون: «وَاجْعَل لِّى وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِى هَارُونَ أَخِى اشْدُدْ بِهِ أَزْرِى وَأَشْرِكْهُ فِى أَمْرِى».

لم يُرد موسى عليه السلام أن يتخذ القرار وحده أو أن ينفرد بالأمر، بل تمنى العون من أخيه «هارون».

لقد مر موسى بموقف مزلزل قبل هذه الواقعة عندما هم بقتل قبطى جديد من أبناء مصر انحيازاً لواحد من قومه (بنى إسرائيل)، فواجهه القبطى بقوله: «قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِى كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِى الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ».التنوع قانون فاصل فى حياة البشر، بل قل هو القانون المؤسس لحياتهم.

إذا غاب التنوع انكشفت المجتمعات، واهتزت أركانها. الاختلاف فى الأذواق يروج السلع، والاختلاف فى الأفكار يثرى العقل، والاختلاف ما بين التجارب الإنسانية يدفع بالحياة إلى الأمام.

هكذا خلق الله البشر وكذلك أراد لهم من أجل صلاحهم: «أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ». صدق الله العظيم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحق فى الاختلاف الحق فى الاختلاف



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:59 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

تصريحات فيفي عبده تتصدر التريند
  مصر اليوم - تصريحات فيفي عبده تتصدر التريند

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 20:29 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

أنجلينا جولي تكشف عن شعورها تجاه عملها بعد رحيل والدتها

GMT 15:48 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

ليونيل ميسي يختار نجمه المفضل لجائزة الكرة الذهبية 2024

GMT 13:55 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

اتفاق رباعي علي خارطة طريق لإيصال الغاز إلي بيروت

GMT 06:11 2020 الخميس ,08 تشرين الأول / أكتوبر

الشكشوكة التونسية

GMT 19:44 2019 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل العثور على "سوبرمان هوليوود" ميتاً في صندوق

GMT 04:38 2019 الثلاثاء ,09 تموز / يوليو

تعرفي على 9 موديلات مميزة لتزيّني بها كاحلكِ

GMT 22:22 2019 الأربعاء ,27 شباط / فبراير

مستوى رمضان صبحي يثير غضب لاسارتي في الأهلي

GMT 04:46 2018 الخميس ,27 كانون الأول / ديسمبر

إليكِ أفكار سهلة التطبيق خاصة بديكورات المطابخ الحديثة

GMT 02:17 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

مناظر خلابة ورحلة استثنائية في جزر فينيسيا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon