توقيت القاهرة المحلي 21:08:30 آخر تحديث
  مصر اليوم -

القشرة والروح

  مصر اليوم -

القشرة والروح

بقلم: د. محمود خليل

مفارقة عجيبة تجدها فى موقف بسطاء المصريين وحرافيشهم من حكام أسرة محمد على، مقارنة بموقف من حكموا مصر بعد يوليو 1952 منهم.

لم يتناغم المصريون من أبناء الأحياء الفقيرة فى مصر، من المجايلين لتجربة محمد على، مع سياساته ومشروع حكمه، ويحكى «الجبرتى» أن حرافيش وبسطاء الحسينية والرميلة وبولاق وغيرها من الأحياء الشعبية كانوا الأكثر غضباً على الوالى، على عكس طبقة المستفيدين، من التجار والمشايخ والأعيان، ومالوا إلى الانتفاض أو تشجيع بعض الانتفاضات التى قامت ضده، سواء من المماليك، أو من الزعماء الشعبيين مثل حجاج الخضرى، ولم يتناغم البسطاء أيضاً مع تجربة الحكم فى عصر الخديو إسماعيل.

الوالى محمد على والخديو إسماعيل هما أكثر شخصيتين حظيتا بالاحتفاء فى كتب التاريخ بعد ثورة يوليو 1952، ويذكر كل من انخرط فى التعليم المدرسى خلال السبعينات كيف كانت هذه الكتب تصف محمد على بأنه بانى نهضة مصر الحديثة، وكيف وصفت «إسماعيل» بالحاكم الوحيد الذى حاول إحياء تجربة النهضة التى بدأها محمد على، وأنه بانى «وسط البلد» ومخطط القاهرة، وبانى الأوبرا وصاحب الحفل الأسطورى لافتتاح قناة السويس، وغير ذلك.

وخلافاً لمحمد على وإسماعيل تجد أن حرافيش الأحياء الفقيرة الذين عاصروا كلاً من الوالى عباس حلمى الأول والخديو سعيد تبنوا موقفاً إيجابياً -إلى حد كبير- من الرجلين.

يكفى أن تراجع مذكرات «أحمد عرابى» وتتأمل كيف كان يتحدث عن الخديو سعيد وحبه للمصريين.

فى المقابل كان موقف كتب التاريخ بعد يوليو 1952 شديد السلبية من الرجلين اللذين اتهما بالانغلاق، وإيقاف العديد من المشروعات التى بدأها محمد على، وعدم التوسع فى التعليم كما فعل الوالى الكبير.

قد يقول قائل إن تلك عادة البسطاء والحرافيش، يحبون الفوضى، ويكرهون النظام، وأن تفكيرهم عشوائى مثل حياتهم. وظنى أن المسألة ليست كذلك.

البسطاء والحرافيش، ممن تعودوا الأكل فى طبق واحد فى عصر محمد على وإسماعيل، لم يروا مردوداً مباشراً للتطويرات التى أحدثها الحاكمان على حياتهم اليومية، بل كان للمشروعات الفردية الطموحة التى تبناها كل منهما نتائج سلبية عديدة على حياتهم، فدفعت إلى تعقيدها وضعضعتها بصورة غير مسبوقة، بسبب ولع الأول بفرض الضرائب، وانغماس الثانى فى الديون، أما العمائر والبنايات التى شيداها والمشروعات التى أقاماها، فقد حسنت بالفعل من صورة الحياة فى بر مصر، لكنها لم تطورهم كبشر، يريدون العيش بحكمتهم وثقافتهم الخاصة.

كل ما فى الأمر أن محمد على وإسماعيل، مثلهما مثل من حذا حذوهما بعد ذلك، كان لديهما رؤية لبناء دولة حديثة على النموذج الغربى، قامت على فكرة الاحتفاء بالمكان وتهميش الإنسان، لم يكن المصريون بالنسبة لمحمد على أو إسماعيل أو غيرهما أكثر من سواعد تعزق الأرض، أو ترفع المبانى، أو تدافع عن البلاد.

المواطن فى نظرهما لم يكن أكثر من «نفر»، لا يفهم ولا يعى، ولا يستوعب الحكمة السامية وراء مخططاتهما، وكل ما هو مطلوب منه أن يسخر قوته الجسدية من أجل مشروعاتهما.

بعبارة أخرى لقد أخذ هؤلاء المطورون قشرة التجربة الغربية (الشكل والبناية والمنظر) وأهملوا روحها (الإنسان).هل تذكر المثل الشعبى الذى يقول: متجيش من ناحية الغرب حاجة تسر القلب.

لقد ظل يتردد على ألسنة أجيال من بعد أجيال على لسان بسطاء المصريين، دون أن يتوقف أحد ويتأمل، ربما توقف البعض ولعن هذه الرؤية الحرفوشية ووصفها بالجهل، دون احترام لتجارب شعوب مثيلة تمسكت بثقافتها وروح الإنسان الذى يعيش بين جنباتها وطورته أولاً، ليطور هو بعد ذلك الحياة من حوله (التجارب الهندية واليابانية والصينية وبعض دول أمريكا اللاتينية نموذجاً).

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القشرة والروح القشرة والروح



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 10:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
  مصر اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 09:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
  مصر اليوم - اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:57 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يصبح أول رئيس أميركي يبلغ 82 عاماً وهو في السلطة

GMT 02:39 2019 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

رانيا محمود ياسين توضح قطع علاقتها بالبرامج التليفزيونية

GMT 09:28 2021 الأربعاء ,11 آب / أغسطس

المصري يعلن انتقال أحمد جمعة إلى إنبي

GMT 02:20 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

إيمي سمير غانم تكشف عن خلاف حاد مع زوجها تحول إلى نوبة ضحك

GMT 12:25 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

طريقة عمل أصابع الجبنة بالثوم

GMT 11:17 2020 الجمعة ,25 كانون الأول / ديسمبر

محمد صلاح يتخذ أولى خطوات الرحيل عن ليفربول

GMT 02:40 2020 الثلاثاء ,23 حزيران / يونيو

تفاصيل إصابة ابن ماما سناء بفيروس "كورونا"

GMT 01:56 2020 الإثنين ,22 حزيران / يونيو

طريقة عمل البوريك التركي بأقل التكاليف

GMT 21:12 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

إليسا تروج لحفلها اليوم في بث مباشر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon