توقيت القاهرة المحلي 15:40:10 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحزن المكتوم يربك العقل

  مصر اليوم -

الحزن المكتوم يربك العقل

بقلم - د. محمود خليل

يقول "آدم الصغير" لنفسه وهو ينظر إلى جده: "عجباً لأمر هذا الكهل الذي يتحدث بلا توقف دون أن تتحرك شفتاه.. أشعر أن لساني يضرب سقف حلقي من الجفاف.. أمسيت عاجزاً عن الكلام من فرط الجفاف".. تمتد يد الجد وتمسح على رأسه وهو يقول: "يا مجري الماء في النهر.. يا مفجر الماء من قلب الحجر.. يا حنان يا منان".

- الشاب (ضاحكاً): رقية شرعية؟- الشيخ: ها هو لسانك ينطلق.. املكه يا ولدي.. قديماً قالوا إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب.

- الشاب: هو أنا قادر أتكلم.- الشيخ: الصمت عبادة.. ليت جدي سكت.. لكن الأمر لم يكن بيده.. كان صدره يغلي من الأحزان.. ليته سكت.الأيام تمر و"مصطفى الثاني" الذي أنجبه "الترجمان" من زوجته الشامية يكبر ويملأ حياته وينسيه ألمه على ولده الأول، وحنو زوجته الثانية "الشامية" عليه ينسيه قسوة قلب زوجته الأولى.عاد إلى العمل في بلاط الوالي "عباس الأول" فأنعشه المال والمكانة من جديد، لكنه توجع كثيراً وهو يبصر في قصر الحكم عقلاً لا يضارع عقل الجد الكبير محمد علي، عقلاً كسولاً فقير الطموح، لا يرى في الحياة إلا أوجه المتعة.أحس منذ اليوم الأول للعودة بتحول كبير في شكل الحياة بالقلعة.. البلاط الذي كان يعج بالنشاط بدا خاملاً.. خبت شعلة الطموح التي أوقدها الوالي الكبير وتوقفت العديد من المشروعات، وضرب الإهمال المشروعات التي تمت.ظل "الترجمان" لا يؤدي عملاً ذا شأن داخل القلعة، بسبب زهد "عباس" في الأجانب، كما أنه -خلافاً لجده- كان أميل إلى التعامل مع الانجليز، أكثر من الفرنسيين، لذا لم تكن هناك أعباء كبيرة على "حسن" الترجمان عن الفرنسية.

كان هذا الوضع يثير حنقه على الوالي وكان يسر بذلك إلى من يعملون معه داخل القلعة أو أو في "سراي الحلمية" أو "سراي الخرنفش"، دون أن يعلم أن المدير التركي لم يزل يريد استكمال دائرة انتقامه وأنه تحت المراقبة، دون أن يدري.

يظهر حسن الترجمان وهو يتحدث إلى أحد الفرنسيين الذين يعملون بالقلعة:- الترجمان: يريد أن يفسد نظام المُلك بعد أن أفسد نظام العيشة.

- الفرنسي: تقصد ولي النعم؟- الترجمان (بعصبية): ولي النعم هو الله وليس غيره.. أوقف كل مشروعات جده محمد علي ولم يكفه ذلك.. يريد الآن أن يفسد المُلك الذي يسيّره خالق الحياة.- الفرنسي: كيف؟.

- الترجمان: يريد نقل الولاية من بعده إلى ولده إلهامي باشا.. رغم أن الجد محمد علي أوصى بأن تئول الولاية إلى أكبر الأبناء أو الأحفاد من بعده.. يريد أن يحرم عمه "سعيد" منها.

- الفرنسي: هذا كلام خطير.. لا تصرح به لأحد.. هذه نصيحتي لك.- الترجمان: لن يستطيع.. لا أخفي عنك سراً.. سمعت أن عمته سوف تقف في وجهه.. وسعيد باشا أيضاً.- الفرنسي: هل عندك معلومات محددة حول ذلك؟.

- الترجمان: كلام سمعته.يقاطع "آدم الصغير" جده قائلاً:- الشاب: مجنون.. في أحد يفعل ذلك.. جدك الترجمان لم يتعلم شيئاً من تجربته.

- الشيخ: أنت لا تعرف أثر الحزن في النفس.. إن الإنسان يظن أنه نسي ما يحزنه.. وذلك قمة الوهم.. الترجمان عاش في وهم نسيان أحزانه على ولده القتيل.. ولم ينتبه إلى أن الحزن المكتوم يربك العقل.. ويفقد الإنسان اتزانه.. قبل مقتل ولده "مصطفى الأول" كان الترجمان يعرف كيف يملك لسانه.. لكن لسانه أصبح يملكه بعدها.

- الشاب: احك لي الحادثة الخطيرة التي وقعت ووضعت كلمة النهاية في تجربة الترجمان.

- الشيخ: انظر.يظهر الوالي عباس الأول نائماً على سريره في القصر الذي بناه في "بنها".. يظهر فجأة مملوكان داخل حجرة النوم.. يتسللان في تؤدة وأناة حتى يقف الأول خلف السرير.. ويقف الثاني أمامه.. يصدر من يقف خلف السرير إشارة إلى رفيقه.. فينقضا معا على الوالي أحدهما يخنقه بشال في يده والآخر يمسك ساقيه.. ظل الوالي يقاوم ويعافر.. ثم أخذ جسده يستسلم شيئاً فشىء حتى همد تماما.نقل بعض المخلصين للوالي القتيل جثته إلى القاهرة، وحاولوا تولية ولده "إلهامي باشا" محله، لكن محاولتهم لم تفلح، بسبب الغضب الذي كانت تكنه الاسرة العلوية لعباس الأول، نتيجة جفائه لهم، وما سيطر عليه من تشاؤم وتوجس وخوف من كل من حوله وإيثاره بناء قصوره وسرايات حكمه في الأماكن الصحراوية.بعدها اعتلى سعيد باشا عرش المحروسة.. في حين اعتلى حسن الترجمان عرشاً آخر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحزن المكتوم يربك العقل الحزن المكتوم يربك العقل



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر

GMT 12:05 2020 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

فيفا عبر إنستجرام يبرز نجوم مصر محليا وقاريا

GMT 07:41 2020 الخميس ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

أسعار الفاكهة في مصر اليوم الخميس 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2020

GMT 01:42 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

بايرن ميونخ يعلن ضم موتينج ودوجلاس كوستا في أقل من نصف ساعة

GMT 22:56 2020 الخميس ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تسريب جديد للمُقاول الهارب محمد علي "يفضح" قطر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon