بقلم :د. محمود خليل
يتحدث المتكلمون فى موضوع «آخر الزمان» عن أبرز علامات يوم القيامة، وأبرزها خروج دابة الأرض، وانطلاق يأجوج ومأجوج، وظهور الدجال، ونزول المسيح، عليه السلام، وغيرها. وحقيقة الأمر أن القرآن الكريم تحدث عن موضوع «الدابة» فى الآية الكريمة: «وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ». كما جاء ذكر يأجوج ومأجوج فى الآية الكريمة: «حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ».
وتقديرى -والله أعلم- أن معانى وتأويلات مفردات (دابة ويأجوج ومأجوج) تخضع لنظرية التلقى، فمعناها موجود لدى سامعها أو قارئها يستخلصها تبعاً لمعطيات عصره وظروفه، فوصف «الدابة» ينطبق على كل ما يدب على الأرض، وقد غلب معناها، كما تقول قواميس اللغة، على كل ما يركبه الإنسان من حيوان، ومؤكد أن هذا الأمر احتاج إلى مراجعة، بعد أن لم تعد الحيوانات فقط هى أداة الركوب، بل أضيفت إليها مخترعات بشرية عديدة، تتمثل فى وسائل المواصلات، بل وأدوات الحرب التى من ضمنها «الدبابة»، كما أن الإنسان هو الآخر دابة تدب على الأرض.
ومن اللافت أنك تجد أبناء كل عصر يؤولون معنى الدابة تبعاً لمعطيات عصرهم وما يرتبط به من واقع أو أساطير. فالمصريون وصفوا الراديو والتليفون مبدأ ظهورهما بأنها الدابة التى خرجت من الأرض لتكلم الناس، رغم أن الأداتين لا تدبان على الأرض، ثم اكتشفوا بعد ذلك سخف تفكيرهم.
ومن العجيب أن الحديث عن ظهور الدابة والدجال وقع فى عصر النبى، صلى الله عليه وسلم، عن طريق واحد من الدعاة والقصاصين -أشبه بالدعاة الشباب أو الجدد فى عصرنا الحالى- وهو تميم الدارى.
يحكى ابن كثير، صاحب «البداية والنهاية»، قصة إسلام تميم الدارى، قائلاً: «قدم على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تميم الدارى فأخبره أنه ركب البحر فتاهت به سفينته فسقطوا إلى جزيرة، فخرجوا إليها يلتمسون الماء، فلقى إنساناً يجر شعره، فقال له: من أنت؟. قال: أنا الجساسة، قالوا: فأخبرنا!. قال: لا أخبركم ولكن عليكم بهذه الجزيرة فدخلناها، فإذا رجل مقيد، فقال: من أنتم؟. قلنا: ناس من العرب. قال: ما فعل هذا النبى الذى خرج فيكم؟. قلنا: قد آمن به الناس واتبعوه وصدقوه، قال: ذلك خير لهم، قال: أفلا تخبرونى عن عين زعر ما فعلت؟ فأخبرناه عنها، فوثب وثبة كاد أن يخرج من وراء الجدار، ثم قال: ما فعل نخل بيسان، هل أطعم بعد؟. فأخبرناه أنه قد أطعم، فوثب مثلها، ثم قال: أما لو قد أذن لى فى الخروج لوطئت البلاد كلها غير طيبة، قال: فأخرجه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فحدث الناس، فقال هذه طيبة وذاك الدجال».
القصة التى وردت على لسان «الدارى» تشتمل على مشاهد شديدة الإثارة، يتعلق أولها بـ«الجساسة»، والمقصود بها دابة الأرض، وهى كما شرحت أحاديث أخرى كائن كثيف الشعر، لا يدرى أحد قبله من دبره، وشكلها مخيف، وتتشابه فى أوصافها مع خيالات كتاب ألف ليلة وليلة فى المواضع التى يتحدث فيها عن «الغيلان».
المشهد الثانى يتعلق باللقاء مع «الدجال»، الذى سألهم عن النبى محمد، ونخل «بيسان» وما إذا كان يطرح، وعن ماء بئر «زعر» هل نضب؟. ويبدو أن بوار نخل بيسان وجفاف بئر «زعر» علامة من علامات خروجه، لذلك قال بعد أن علم أن الأمور على ما يرام: «لو أذن لى فى الخروج لوطئت البلاد كلها غير طيبة». و«طيبة»، كما حدد النبى، صلى الله عليه وسلم، هى المدينة المنورة، وأما الكائن المقيد بالأغلال فهو المسيح الدجال.
نحن بصدد صور منبعها خيالات البشر، وبإمكانها أن تخلب لب أبناء عصور معينة دون أخرى.