بقلم :د. محمود خليل
الظلال السياسية التى تغلب على أحاديث «المهدى» وتقرير أنه سيملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعد أن مُلئت جوراً وظلماً يؤشر إلى طبيعة السياق التى يروج فيها مثل هذا الخطاب.
فثمة مصالح سياسية معينة للسلطة التى حكمت المسلمين فى الترويج لفكرة «المهدى»، أبسطها أنها تدفع الشعوب إلى المكوث فى انتظار ظهوره، ليحل لهم مشاكلهم بعيداً عن أى جهد يبذلونه، فليس عليهم سوى الانتظار، وسلاطين المسلمين واثقون أن الشعوب تمكث فى انتظار ما لا يجىء.
لا تجاوز «فكرة المهدى» عتبة الوهم الذى يعشش فى عقول الشعوب وأفئدتها، وربط ظهوره بـ«آخر الزمان» يسلط الضوء بدرجة أكبر على جانب الوهم فيها، فلا أحد بالبداهة يعلم متى تنتهى الحياة على الأرض، وبالتالى فمهما طال الانتظار لا بد من المواصلة وعدم مراجعة الفكرة أو نقدها.
بإمكانك أن تحدد درجة وجاهة أى فكرة ذات طابع إسلامى أو جدواها بمعايرتها بما جاء فى القرآن الكريم، الكتاب الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وفكرة المهدى لا تجد صدى لها فى النص القرآنى الذى ينص على أن الهدى هدى الله، كما حكيت لك وأن الجنس البشرى كله ضعيف يستمد العون والهداية من الخالق العظيم.
الخطير فى الأمر أن رواج فكرة المهدى بين المسلمين أدى فى أوقات معينة إلى ظهور بعض المغامرين الذين زعم كل منهم أنه المهدى المنتظر الذى ابتعثه الله ليملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً وطلب من المسلمين مبايعته بين الركن والحرم. حوادث كثيرة شهدتها المجتمعات الإسلامية، ومن بينها مصر، اقترنت بظهور شخص يدعى أنه المهدى، لعل أخطرها واقعة الحرم المكى عام 1979.
كان ذلك على رأس العام الهجرى 1400، أى قبل ما يقرب من 43 سنة من اليوم، حين احتل جهيمان العتيبى بيت الله الحرام بقوة السلاح، وأعلن ظهور المهدى المنتظر، وهو زوج شقيقته محمد بن عبدالله القحطانى، وطالب المسلمين بمبايعته بين الركن والحرم، وظل يسيطر على الحرم لعدة أيام، وثار خلاف يومها فى الشارع المسلم حول الهجوم عليه وإخراجه وأتباعه بالقوة، خصوصاً أنهم تمكنوا من إدخال كمية كبيرة من السلاح داخل عدد من النعوش خلال فجر اليوم الأول من شهر المحرم من القرن الهجرى الخامس عشر، وحسمت المسألة بالتدخل ليتم القبض على جهيمان ويقتل المهدى المنتظر.
قبلها بعامين -عام 1977- شهدت مصر حادثة شبيهة، حين أسس شكرى مصطفى جماعة أطلق عليها «جماعة المسلمين» واشتهرت بين الناس باسم «التكفير والهجرة»، وأعلن نفسه مهدياً منتظراً وقام باختطاف الشيخ محمد حسين الذهبى وزير الأوقاف الأسبق وقتله، وتم القبض على القاتل ونفذ فيه حكم الإعدام.
سقط فى هاتين الواقعتين العديد من القتلى والجرحى، وزادت الأوضاع سوءاً فى العالم الإسلامى، جراء ممارسات هؤلاء المغامرين، لكن العقول التى تقتات على «الوهم» لا تتعلم.