بقلم: د. محمود خليل
يعلق أغلب المؤرخين مسألة غرق الأمير أحمد رفعت فى رقبة الوالى سعيد باشا، ويقولون إنه فعل ذلك لأمر نقمه عليه، وحقيقة الأمر أن سعيداً لم يكن صاحب مصلحة فى ذلك، كما أن موقع ولى العهد فى ذلك الوقت لم يكن بالخطورة ما دام الوالى على قيد الحياة، وبالتالى لم يكن هناك ما يبرر الصراع بين الجالس على العرش وولى عهده، فعباس حلمى الأول ظل معدوم الذكر حتى مات إبراهيم باشا، وسعيد ظل كذلك حين كان ولياً لعهد عباس. فما الذى استجد فى العلاقة بين الطرفين فى عصر سعيد؟
الأرجح أن سعيد باشا لم يرتب لإغراق الأمير أحمد رفعت فى بحر النيل، ربما كان شقيقه الأمير إسماعيل هو من فعل، فقد كان صاحب المصلحة الوحيد فى اختفاء «رفعت»، لأنه سيجلس مكانه على مقعد ولى العهد. وثمة دليل واضح على ذلك يذكره «يعقوب شاروبيم» فى كتابه «الكافى فى تاريخ مصر»، فقد نقل عن أحد مماليك أحمد رفعت أن أحد الرجال العاملين بديوان سعيد باشا دخل عربة القطار التى يجلس فيها الأمير إسماعيل وهمس فى أذنه، بعدها التفت إسماعيل إلى أحد أتباعه وقال: أنزلوا متاعى فقد عدلت عن السفر، فقال له أخوه الأمير مصطفى فاضل: إن كان ولا بد فإنى مرافقك ونزلا معاً.
هذه الواقعة تقول إن «إسماعيل» إن لم يكن ضالعاً بمفرده فى إغراق شقيقه أحمد رفعت، فهو فى أقل تقدير متواطئ مع الخديوى سعيد لإنفاذ الجريمة، والقرار الذى اتخذه مصطفى فاضل بالنزول من القطار حين قرر «إسماعيل» إنزال متاعه يدل على شعور اجتاحه بوجود شىء خطير غامض يتم الترتيب له، وأن شقيقه إسماعيل لديه علم به، ولعلمه بمكر أخيه قرر النزول فوراً من القطار.
والمتابع للأحداث التى لحقت بواقعة غرق الأمير أحمد رفعت، وعلى رأسها وفاة الوالى سعيد باشا نفسه، يستطيع أن يخلص إلى أن الترتيب كان ترتيب إسماعيل ولا أحد غيره. فقد مات سعيد بعد ما يقرب من 7 أشهر من وفاة الأمير أحمد رفعت، فالمعلومات كانت تتدفق على «إسماعيل» عن سوء الحالة الصحية لسعيد وأن من الوارد وفاته فى أى لحظة، ليرث الأمير أحمد رفعت العرش، وتفوت عليه بشكل نهائى فرصة تولى الحكم، لأن أحمد رفعت كان شاباً، وربما فكر مثله أن يضع الحكم فى أبنائه وحرمان ذرية محمد على باشا الكبير من ذلك.
يقول «شاروبيم»: «لما ثقل المرض بسعيد باشا واشتدت علته وجاء خبر ذلك إلى إسماعيل وهو بالقاهرة سيّر إلى الإسكندرية أحد المقربين إليه من جماعة الفرنسيس واسمه ديرفيور ليرسل إليه بأخبار سعيد باشا فى كل يوم، ومنّاه بالأمانى الكثيرة والعطاء الجزيل إن هو بعث إليه بخبر وفاته، فلما كان صباح تاسع عشر يناير أرسل إليه يقول أعدوا البيت فقد عزم الساكن على الرحيل».
ظنى أن أصابع إسماعيل ليست بعيدة عن مسألة قتل شقيقه الأمير أحمد رفعت.