بقلم: د. محمود خليل
يرى البعض أن مجتمعنا المصرى مجتمع ذكورى بامتياز ينتصر للرجل، وأحياناً ما يهدر المرأة وحقوقها، وأن الرجل حاكم بأمره، خصوصاً داخل الأسرة، فالزوجة والأبناء يسمعون له ويطيعون، ويرى آخرون أن التحكم الذكورى أحياناً ما يجور على أحكام شرعية تضمن حق المرأة فى الميراث، ليأتى الرجل ويحرم المرأة من حقها حتى لا تغادر الثروة بيت العائلة المحكوم ذكورياً.
كلام مثل هذا كثير يتردد من حين إلى آخر إلى حد يتصور معه الغرباء عن المجتمع المصرى أن المرأة تعانى أشد المعاناة من تحكم الرجل فيها وسيطرته عليها.
أستطيع أن أتفهم من يقول إن المرأة المصرية الفقيرة تعانى من أشكال مختلفة من الإهدار. سيدات مصريات كثيرات يخرجن مع مطلع الفجر ليعملن فى أشغال شاقة حتى غروب الشمس من أجل توفير دخل يطعمن به الأبناء وينفقن به على البيت الذى يسكنه زوج لا يعمل.. بعض الأزواج يودون العمل، لكنهم لا يجدون، وبعضهم «اتكالى» يعتمد على زوجته فى توفير بنود الإنفاق الخاصة به وبأولاده، ثمة نماذج عديدة بالفعل لرجال ليس لهم حظ من الذكورة إلا فى أسمائهم، لكن يوجد فى المقابل رجال آخرون يكدون ويشقون من أجل توفير احتياجات أبنائهم وزوجاتهم، ومؤكد أن الصنف الثانى هو الغالب، والسر فى ذلك هو الثقافة الاجتماعية التى تحتفى بالرجل الملتزم بواجباته نحو أسرته، وترى أن هذا الالتزام علامة من علامات الرجولة.
داخل النوعين من الأسر التى يتصدرها رجل «اتكالى» أو آخر «ملتزم» يصعب القول بوجود حالة غالبة من السيطرة الذكورية عليها، بل يمكن القول بأن العكس هو الحاصل، فالمرأة فى الحالتين ليست مهيضة الجناح، بل مسيطرة بطريقتها المعتادة على الزوج وعلى الأبناء، وإن بان غير ذلك فى الظاهر، كجزء من الثقافة الاجتماعية التى تؤكد على الزوجة منح زوجها «برستيجه» كاملاً أمام الأغيار، وهى حرة فيما عدا ذلك، هذه الممارسة مفهومة فى الأسر التى يلتزم الزوج بإعالة أفرادها، وهى أيضاً قائمة فى حالة «الزوج الاتكالى»، حيث يخضع واقعياً -حتى ولو كان يبدو غير ذلك فى الظاهر- للزوجة، طبقاً لقاعدة «من تملك تحكم».
وحتى فى البيئات التى يتم حرمان المرأة فيها من الميراث، يصعب القول بالسيطرة الذكورية عليها. فالمرأة داخل هذه البيئات تمارس دور المحرك الأول للرجل فى قضايا مثل الثأر، وحرمان البنات أو السيدات من إرثهن الشرعى مبرره رغبة -غير موضوعية بالطبع- فى عدم تفتيت الثروة (أرض زراعية فى الأغلب) خارج العائلة.
من الصعوبة بمكان وصف مجتمع بـ«الذكورى» فى الوقت الذى يخشى فيه الزوج كل الخشية مواجهة زوجته فى حالة إقدامه على خطوة انتحارية بالزواج عليها. فى الظاهر يبدو الرجل وكأنه جبل لا تهزه ريح ولا يتقلقل أمام أى قوة مهددة له، لكنه فى الباطن يبدو ضعيفاً مهزوزاً أمام زوجته حين يقرر الزواج عليها بأخرى. وعادة ما تكون نهاية هذا الصنف من الرجال على يدى الزوجة التى تكتشف أن زوجها قرر أن يجلب لها «ضرة» فتورده موارد الهلاك. لعلك تذكر وقائع الفساد التى تورط فيها بعض المتنفذين وتم كشفها على يد زوجاتهم، فى اللحظة التى اكتشفت فيها كل واحدة أنه متزوج عليها.
أى مجتمع هذا الذى يوصف بالذكورية فى وقت يمتلك فيه الرجل جرأة الجور على الحق فى العديد من المواقف والمحافل، لكنه يجبن عن مواجهة زوجته بممارسة حق كفله له الشرع ما توافرت شروط ذلك؟