بقلم: د. محمود خليل
آية كريمة فى سورة الأعراف تجد فيها تفسيراً لمرض الشماتة الذى ضرب قطاعاً من المصريين فى السنوات الأخيرة، وهى آية تشرح لك موقف نبيين من أنبياء الله، هما موسى وهارون عليهما السلام. يقول الله تعالى فيها: «وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِى مِن بَعْدِى أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِى وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِى فَلَا تُشْمِتْ بِىَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ».
علم موسى أن «السامرى» قد فتن قومه وأضلهم عن عبادة الواحد الأحد وساقهم إلى عبادة عجل من ذهب صنعه لهم وقال لهم هذا إلهكم وإله موسى، غضب النبى غضباً شديداً وأسف على الحال التى وصل إليها بنو إسرائيل، وانفعل على أخيه هارون، وجره من رأسه يلومه على سكوته على قومه وهو يراهم يفعلون ذلك، فرد عليه هارون بأن القوم استضعفوه وكادوا يقتلونه حين واجههم بالمنزلق الخطير الذى ينزلقون إليه، وترجاه ألا يشمت به الأعداء الذين سيفرحون فيما يحدث له من أخيه.
إنه الغضب الذى يؤدى إلى الشماتة. فالنفس المشحونة بالغضب هى القادرة على نشر رياح الشماتة فى الأفق. فكلما ارتفع منسوب الغضب فى النفوس أدى ذلك إلى جر الأفراد إلى الإحساس المريض بالشماتة فى زلات الآخرين أو عثراتهم أو حتى مصائبهم.
وقد باتت الشماتة جزءاً لا يتجزأ من ثقافة قطاع من المصريين، يتشكل من فريقين، يحمل كل فريق منهما غضباً مستطيراً إزاء الفريق الآخر. الشماتة إحساس مقيت لكنه قائم وموجود، وأساسه حالة الغضب التى ضربت بعض المصريين فجعلتهم يفرحون فيما يصيب خصومهم من مرض أو وفاة، وكأن سنن المرض والموت لا تجرى عليهم، بل تجرى على غيرهم فقط، ولكى أكون أميناً لا بد أن أؤكد أن الفريقين يلعبان هذه اللعبة المقيتة مع بعضهما البعض، وفى اللحظة التى يلوم فيها أحد الفريقين الآخر على فعله، فإن الآخر يذكره بشماتاته السابقة فيما وقع لبعض أعضائه.
منزلق خطير ذلك الذى وصلنا إليه، فالغضب الذى يترجم اليوم فى شماتة يمكن أن يترجم فى الغد إلى أفعال أشد وأدهى، يخرج فيها كل فريق مخالبه للآخر وينشبها فيه. فالغضب هو المقدمة الأخطر لكل بؤس يضرب حياة البشر.
لقد عشنا مثل هذه الحالة بعد نكسة يونيو 1967، عندما هُزمنا فى الحرب واحتلت إسرائيل الأرض، فانتاب البعض إحساس بالشماتة فى النظام الناصرى، بسبب مواقف أو قرارات أو إجراءات سابقة اتخذها عبدالناصر أضرت بهم، لكن الأمر لم يكن مستفحلاً بالصورة التى نعيشها حالياً.
الشماتة المقرونة بالغضب تكاد تقسم المجتمع المصرى الآن على اثنين أو ثلاث، وثمة أطراف تغذى هذه القسمة بنشاط وهمة، تمهيداً لإدخال هذا المجتمع فى ابتلاء لم يسبق له أن عاشه، وإذا كان المصريون قد نجحوا فى لملمة ما تبعثر منهم أيام النكسة وقاموا من جديد وانتصروا، فإن الأمر هذه المرة جد مختلف، وهو فى كل الأحوال لا يبشر بخير.