بقلم: د. محمود خليل
هل العظمة فى الصوت أم فى الصدى؟.. صوت جمال عبدالناصر كان يدوى فى الستينات مخاطباً المصريين، أحياناً بالموضوع وأحياناً بالإنشاء، لكنه فى الحالتين كان يجد صدى لدى الناس. فى المقابل دوى صوت الرئيس أنور السادات فى السبعينات متحدثاً عن إغلاق المعتقلات فى مايو 1971، والنصر العظيم فى أكتوبر 1973، ثم افتتاح قناة السويس 1975، ومبادرة السلام 1977، ولم يكن لصوته الصدى الذى تمتّع به جمال عبدالناصر.. لماذا يا تُرى؟
ظنى أن السر فى ذلك يتعلق بأثر التوجّهات والسياسات التى تبنّاها كل رئيس على الحياة اليومية للمواطن، وإلى أى حد منحته هذه التوجّهات والسياسات أشياء فى يده يشعر بأثرها المباشر فى حياته.
عبدالناصر اتخذ الكثير من القرارات التى وجد المواطن أثرها فى يده، اتخذ قراراً بتوزيع الأراضى على الفلاحين، وآخر بتخفيض إيجارات المنازل، ثم قراراً بمجانية التعليم الجامعى، وقرارات يوليو الاشتراكية التى منحت العمال الكثير من الحقوق، كما اهتم بدعم الفقراء وأفراد الطبقة المتوسّطة بصورة جعلتهم قادرين على مواجهة ظروف الحياة، فى المقابل أهمل عبدالناصر تطوير المرافق العامة ومشروعات البنية الأساسية، بسبب ما استنزفته هذه القرارات والحروب التى خاضها من ميزانية البلاد، فتدهورت جودة الحياة بشكل ملحوظ، ورغم ذلك لم تتأثر شعبيته.
حتى اللحظة المعيشة لم يزل جمال عبدالناصر جزءاً من الوجدان العام، حتى بالنسبة لأجيال لم تعاصره، لأن صدى قراراته التى أعطت الناس أشياء فى يدها ما زال قائماً فى حياة الكثير من أفراد الطبقة الفقيرة والمتوسطة.
على الضفة الأخرى من النهر يقف الرئيس أنور السادات بإنجازاته الكبرى التى حققها على مستوى الحرب والسلام وشروعه فى تطوير المرافق العامة، لا يجد صوته الصدى الذى وجده صوت عبدالناصر، لا لشىء إلا لأن الناس شعروا فى ظل حكمه بأنه أخذ أشياء من يدهم عندما تبنى سياسة الانفتاح الاقتصادى بما ترتب عليها من غلاء وفساد وضنك معيشى، لم يلتفت أحد إلى إنجازاته الكبرى فى الحرب والسلام والانخراط فى مشروعات تطوير البنية الأساسية، فى مقابل الصفح الجميل عن إخفاقات عبدالناصر فى الحرب والسلام ومشروعات البنية الأساسية.
الناس يعنيها اليوم الذى تعيشه ولا تلتفت كثيراً إلى الأحاديث عن المستقبل، إنهم يؤمنون بمقولة عمر الخيام: «غد بظهر الغيب واليوم لى.. وكم يخيب الظن فى المقبل». تلك طبيعة الإنسان التى لم ولن تتغير، إنه يبحث عن خبز يومه، ويريد أن يصيب كل قول أو فعل فى حياته اليومية، تلك هى اللغة التى يفهمها، ويصعب عليه فهم أى لغات أخرى تتعلق بمستقبل لا يضمن أن يكون جزءاً منه أو عضواً فى ناديه.
فى سورة الرحمن آية بديعة يقول المولى عز وجل فيها: «يَسْأَلُهُ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ»، تفسيرها أن أهل الأرض لا يتوقفون عن سؤال الله تعالى، وهو سبحانه يغيّر فى كل يوم من حال إلى حال، فيستجيب لداعٍ أو يكشف كرب مكروب، أو يجيب مضطراً، أو يغفر ذنباً.
وفى الإنجيل: أعطنا خبزنا كفاف يومنا.