بقلم - محمود خليل
اهتز غالبية المصريين بعنف وهم يتابعون تفاصيل جريمة قتل طالب المنصورة لزميلته التى رفضت حبه، ومن قبل ارتجف الناس وهم يقرأون عن الأم التى قتلت أطفالها الثلاثة وحاولت الانتحار، وكذلك حين سمعوا عن قيام شاب بقتل والده وأربعة من أشقائه بسبب الخلاف على ميراث، ناهيك عن حوادث أخرى عديدة مرعبة.
السؤال الذى قفز على لسان الجميع مع تواتر هذه الحوادث وارتفاع منسوب بشاعتها وتنوع مسارحها دفع الكثيرين إلى السؤال: ماذا حدث للمصريين؟
هذا السؤال قديم متجدد، فما بين عامى 1996 و1997 كتب المفكر الراحل جلال أمين سلسلة مقالات حول التحولات التى طرأت على المجتمع المصرى، جمعها فيما بعد فى كتاب عنوانه «ماذا حدث للمصريين؟».
سؤال «ماذا حدث للمصريين؟» طرحته فى الأصل مجلة «الهلال» أيام كانت الصحافة تؤمن بدورها فى الاشتباك مع قضايا المجتمع.
توقف جلال أمين أمام عدة عبارات تلخص لك تعابير الأزمة التى عاشتها مصر أواخر التسعينات، مثل «محنة الاقتصاد المصرى»، و«مأزق السياسة فى مصر»، و«تدهور الأخلاق والقيم»، و«انحطاط الثقافة».
تناول «أمين» مجموعة من العوامل التى ساهمت فى إحداث العديد من التحولات داخل البيئة الاجتماعية للمصريين، مثل الانفتاح الاقتصادى بدءاً من العام 1974، والهجرة إلى بلاد النفط، وعمليات التغريب الناتجة عن التعرض للإعلام الأجنبى، وغير ذلك.
الكتاب فى حينه مثّل محاولة متأنية لقراءة التحولات التى تقع داخل المجتمع المصرى، والسؤال الذى طرحته مجلة الهلال وأغرى المفكر الراحل بالإجابة عنه كان سؤالاً خطيراً فى وقته، وقد اجتهد الرجل فى الإجابة عنه كل الاجتهاد، وعبّر فى سيرته الذاتية عن دهشته حين وجد أن هذا الكتاب هو الأكثر توزيعاً بين ما ألفه من كتب.
اهتمام المصريين بتداول وقراءة الإجابات التى قدمها «أمين» على السؤال ينهض كدليل قاطع على أن الناس قبل ما يزيد على عقدين من الزمان كانوا يبحثون عن فهم لما يقع حولهم من تحولات اجتماعية واقتصادية أصابت المجتمع، وأدت إلى خلخلة أخلاقياته تحت معول الاستهلاك، وانحطاط ثقافته تحت معول التفاهة، ناهيك عن ارتباك أوضاعه جرّاء الأزمات السياسية والاقتصادية التى عاشها.
تشريح العوامل الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية التى ساهمت فى إحداث هذه التحولات قد يسهم فى تفسير ما حدث للمصريين، لكنه لا يقدم إجابة حاسمة عن السؤال، خصوصاً أنه يركز على عوامل لم تزل قائمة فى حياة المصريين منذ فجر التاريخ، مثل المحن الاقتصادية، وعوامل الهجرة والنزوح، وحالات الاختناق السياسى، وحالات السيولة التى تصيب المنظومات الدينية والثقافية والأخلاقية.
كل هذه العوامل وغيرها حاضر فى تاريخ مصر، لكن مستويات تلقيها ومعدلات التأثر بها تختلف من جيل إلى جيل، ومن فترة زمنية إلى أخرى، فهناك أجيال عاشت فى ظلال هذه المشكلات وغيرها، لكنها لم تستقبلها بالصورة نفسها، ولم ترسخ آفاتها فى النفوس بحيث تؤدى إلى تحولات خطيرة تدفع الناس إلى الارتجاف أو الارتعاب مما يحدث حولهم، وهناك أجيال أخرى عكس ذلك.
ظنى أن تفسير ما حدث للمصريين توقف عند العوامل التى قفزت على سطح الحياة فى مصر خلال عقود الستينات والسبعينات والثمانينات والتسعينات، وهى فى أغلبها عوامل اقتصادية وسياسية كان لها صدى مدوٍّ على حياة الناس وثقافتهم وأخلاقياتهم وأنماط سلوكهم، وأهمل فى المقابل عوامل أخرى (نفسية وتكنولوجية) عديدة بدأت تفرض نفسها خلال العقدين الأول والثانى من الألفية الجديدة، وكان لها أثر خطير على أهالى المحروسة.