بقلم: د. محمود خليل
«شال معزة، زور، قال الحقونى بالتانية».
أظن أن كثيراً من الأزواج سمعوا هذا المثل المصرى الشهير من أمهاتهم فى لحظة تفكير فى الزواج على «مراتاتهم»، فترد الأم بتسميع هذا المثل للابن، الذى ينوء ظهره بمسئولية زوجة واحدة أنجب منها أبناء يحمل المسكين عبء رعايتهم وتربيتهم وتلبية احتياجاتهم، ثم يغرد بأنه يريد الزواج بثانية.
الأديان تشرع الأحكام لتنظيم بعض جوانب الحياة، وتضع لكل تشريع ضوابطه، لكن تفعيل الحكم فى الواقع أساسه الظرف والسياق الاقتصادى والاجتماعى الذى يعيش فيه الإنسان. يظهر ذلك كأوضح ما يكون فى مسألة تعدد الزوجات فى الإسلام. كلنا يعلم أن الله تعالى شرط التعدد بالعدل: «فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا».
بعض المفسرين الشكلانيين ربط ما بين العدل والإعالة، فذهبوا إلى أن «لا تعولوا» معناها ألا تظلموا أو تجوروا أو تحيدوا عن العدل، أما التفسير الموضوعى فيبين الوجه الاقتصادى والاجتماعى للمسألة. فالعيلة فى القرآن معناها الفقر: «وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله».. «ووجدك عائلاً فأغنى». وأى مسلم يفهم أن لفظ «تعولوا» يرتبط بـ«كثرة العيال» وما يتعلق بذلك من مسئوليات. وكثرة الأولاد تتعلق فى جانب منها بتعدد الزوجات.
وأظن أن تناول النص التشريعى بعيداً عن سياقات الواقعين الاقتصادى والاجتماعى يعد اعتسافاً للأمور، خصوصاً أن الآية التى تحمل هذا النص ربطت التشريع بالظرف الاقتصادى الاجتماعى (الإعالة).
وفى حال توافرت القدرة الاقتصادية والاجتماعية فيبقى التشريع مقيداً بفكرة العدل بين الزوجات، ومع فرض وجود العدل، فمن المهم أن يحذر صاحب القدرة من أن تتحول المسألة إلى لعب ولهو وتفاخر.. يقول الله تعالى: «اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر فى الأموال والأولاد».. هذه الآية الكريمة تحذر من أن تتحول لعبة الإنجاب وكثرة العيال -وهى ترتبط بالتعدد- إلى أداة للهو والتفاخر، ويردنا ذلك إلى أصل القاعدة التى تربط التشريع بالسياق الاقتصادى/ الاجتماعى، خصوصاً أنها ربطت ما بين التكاثر فى «الأموال والأولاد».
عندما تنضج المجتمعات تضع النصوص التشريعية فى إطار الفهم الصحيح، وتستوعب الضوابط الاجتماعية والاقتصادية التى تحكم تطبيقها والأخذ بها. والمراجع للعديد من الأحكام الإسلامية سيجد أنها تؤكد على مسألة القدرة، فالحج يشترط فيه القدرة المالية والصحية، والزكاة مشروطة بالامتلاك لمدى زمنى محدد، وتعدد الزوجات مشروط بالعدل والضرورة، بحيث لا يتحول الأمر إلى سفه وتفاخر، وقِس على ذلك.
المثل الذى دأبت الأمهات والجدات على السخرية فيه من الزوج الذى يفكر فى الزواج على أولاده يعكس نضجاً اجتماعياً واضحاً، حين يربط المسألة بالقدرة والظرف، وحين يشير إلى أن حمل زوجة واحدة بات ينوء به ظهر الرجل، ويتحمل الكثير (اقتصادياً واجتماعياً) حتى يقوى عليه، ولا بدَّ أن منظره سوف يكون مضحكاً وهو يبحث عن حمل جديد، مؤكد أنه لن يزور فقط تحته، بل سينخ حتى يلامس أنفه التراب.