بقلم: د. محمود خليل
طبيعى أن ينزعج الناس من الأفكار التى تتصادم مع تصوراتهم واعتقاداتهم الراسخة حول أمور أو تصورات معينة ترتبط بنمط تدينهم، لكن على الناس أن تتفهم أن من يروجون الأفكار الشاذة أو المفارقة للمفاهيم والفهوم الثابتة، التى ترسم خريطة التدين، يسعدون عندما يصل الناس إلى مرحلة انزعاج.
وتقديرى أن أغلبية المزعجين يسعدون بالحالة التى يضعون الناس فيها بسبب تحقيق هدفهم فى الإثارة وركوب التريند وإشغال الناس. وقلة من هؤلاء تهدف إلى رج العقل وصدمه من أجل دفعه إلى التفكير، ظناً منهم أن الوسيلة الأنجح لتجديد الفكر الدينى، الذى تراكم عبر قرون من الزمن، هى زلزلة العقل المتحلق حوله.
أغلبية المزعجين يلعبون اللعبة بحرَفية. فهم يثرثرون بأفكارهم القديمة المتجددة التى تنغز فى جوانب معينة من بنية التدين المصرى، مثل مسألة ضرب المرأة والموقف منها، أو مسألة الميراث، أو مسألة تعدد الزوجات، أو مسألة الشذوذ، أو مسألة الإيمان وعدم الإيمان. فهم فى الأغلب يختارون خيطاً مثيراً أو صادماً، وينسجون حوله شبكة يصطادون بها العقل العام ليقع فى حبائلها لفترة من الوقت، وبعدها يختارون خيطاً آخر وهكذا.. على سبيل المثال تخرج إحداهن وتقول: «وماله لما يضرب الراجل الست»، ويخرج أحدهم ويقول: «الصحابة، رضوان الله عليهم، كانوا يعلمون الناس ذبح وحرق أعدائهم»، ويخرج ثالث ويقول: «لا بد من إيجاد قانون يمنع تعدد الزوجات ويحبس الرجل الذى يتزوج على أم أولاده، أو تغريمه، أو تطبيق كلتا العقوبتين عليه»، ويخرج رابع ويقول: «لماذا لا نضع قانوناً يساوى بين المرأة والرجل فى الميراث والشهادة؟».
جانب الحرَفية فى أداء المزعجين يتجلى فى جانبين: الجانب الأول أن العقل الدينى العام يتبنى بعض الأفكار دون الوقوف على تفاصيلها، وربما لا يكترث بالوعى بها أصلاً، ويؤمن بها ويعتقد فيها كما ورثها. وليس ذلك هو شأن المتدينين فى مصر وحدهم، بل شأن التدين والمتدينين فى كل مجتمعات العالم. ونتيجة لذلك نجد أن العقل الدينى ينزعج أشد الانزعاج عندما يسمع أى فكرة متصادمة مع الثابت لديه، رغم أنها من الممكن أن تكون موجودة وثرثر بها أجداد المزعجين، لكن أحداً لم يلتفت إليها.
يضع المزعجون العقل الدينى العام فى حالة «اهتزاز» بوسيلة بسيطة للغاية تتمثل فى اتهامه بالجهل وعدم الاطلاع على التراث، وأنهم يرددون أفكاراً موجودة، لكن الدعاة التقليديين يخفونها عنهم. والمفارقة أن بعض المزعجين يتجاهلون -وبلاش يجهلون- الردود التى تدحض أفكارهم الشاذة.
الجانب الثانى يتعلق بطبيعة مجتمعنا الذى لا يرحب كثيراً بفكرة التباين أو الاختلاف فى الآراء، وهى سمة تتعلق بالعقل الثقافى العام فى مصر، وليس بنمط التفكير الدينى على وجه الخصوص. ويستغل المزعجون هذا الملمح بصورة كبيرة، حين يتهمون الرافضين لأفكارهم بعدم قبولهم لفكرة الرأى والرأى الآخر، وهو قول حق يراد به باطل، لأن المزعجين واقعون فى الفخ نفسه، وما أندر ما تجدهم يتقبلون رأياً مخالفاً، ليس فى أمر التدين وفقط، بل فى العديد من الأمور الدنيوية الأخرى.