توقيت القاهرة المحلي 20:27:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

طويل الأمل

  مصر اليوم -

طويل الأمل

بقلم - د. محمود خليل

الاطمئنان نوعان: اطمئنان بالإيمان، واطمئنان بالغرور.. الاطمئنان بالإيمان جوهره الثقة بالله، وأنه سبحانه قادر على أن يغير فى لحظة من حال إلى حال.. المطمئن بالله لا يعرف الخوف أو اليأس انطلاقاً من قناعته بـ«إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا».. أما الاطمئنان بالغرور فجوهره الثقة الساذجة فى الدنيا، وطول الأمل فيها، والاطمئنان إلى أن شيئاً فى الواقع لن يتغير، وأن الدنيا التى أعطت للشخص وأجزلت له العطاء بالأمس، سوف تعطيه اليوم وغداً، وحتى حين يغادرها فإنه سيلقى نفس الحالة النعيمية التى تمرغ فيها فى الدنيا، بل قد يجد خيراً منها فى العالم الآخر.

فى القرآن الكريم نجد العديد من الآيات التى تقدم لنا وصفاً مستفيضاً لهذا النوع من البشر، وهى فى المجمل تهدينا إجابة عبقرية عن السؤال: ما سر الاطمئنان بالغرور الذى يصيب البعض؟.

السر ببساطة يتعلق بغياب الحساب فى الدنيا أو نسيان الحساب فى الآخرة.

تأمل على سبيل المثال ما قاله نبى الله موسى وهو يواجه كِبر فرعون: «وَقَالَ مُوسَى إِنِّى عُذْتُ بِرَبِّى وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ».لقد غاب الحساب فى الدنيا، فاستمرأ الطرف المستفيد اللعبة، وطال بهم المقام بها، فداخلهم إحساس بأنهم مستمرون، وليس ثم من جديد يخبئه المستقبل.

وغياب الحساب فى الدنيا يخلخل إحساس الإنسان بحساب الآخرة، وقد يندفع إلى الظن بأن الله الذى أعطاه ومكن له فى الدنيا سوف يعطيه ويفرط له أكثر فى الآخرة.. يقول الله تعالى على لسان صاحب الجنتين: «وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّى لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنقَلَباً».

يظل طويل الأمل على تلك الحال حتى تأتى لحظة الحقيقة والمكاشفة: «فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شىْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ».

تلخص لك هذه الآية فكرة «طول الأمل» وكيف يورد صاحبه موارد الهلاك فى الختام.

فالبعض يظن أن عطاء الدنيا له رضا من قيوم الدنيا والآخرة، فيصيبه الغرور، ولا يحسن العمل فيما وهبه الله، فيطغى ويبغى: «إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى، أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى»، ولا يفهم أن ما منحته الأقدار من معطيات القوة إلى زوال، فتأخذه الغفلة حتى تأتى اللحظة المباغتة التى يجد فيها الحياة من حوله خاوية على عروشها.

على مسرح التاريخ ظهرت العديد من الشخصيات التى تحركت بمبدأ «الاطمئنان بالغرور» ونهاياتهم معروفة، تجد مثالاً عليهم فى شخصية قنصوة الغورى، السلطان المملوكى الشهير الذى مكث على أريكة الحكم 16 عاماً، فى وقت كان عمر السلاطين فى الحكم يشابه أعمار الزهور، وانتهى به الأمر إلى السقوط تحت حوافر الخيل خلال معركة الريدانية، بعد أن ضربه «الفالج» (شلل ناتج عن جلطة)، وهو يرى الخيانة التى أدت إلى هزيمته أمام سليم شاه سلطان الترك.

وقديماً كان هيرقليطس، فيلسوف التغيير الشهير، يقول: «الإنسان لا ينزل النهر مرتين.. لأن ماء النهر يتجدد باستمرار». 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طويل الأمل طويل الأمل



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 09:29 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان
  مصر اليوم - طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 23:00 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

البيت الأبيض يصف كتاب "بوب وودورد" بأنه "قصص ملفقة"

GMT 09:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار في الديكور للحصول على غرفة معيشة مميزة في 2025
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon