توقيت القاهرة المحلي 02:14:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العيد.. والراحلون

  مصر اليوم -

العيد والراحلون

بقلم: د. محمود خليل

تعود المصريون زيارة القبور ثانى أيام عيد الأضحى، خلافاً لما يفعلون فى عيد الفطر، حيث يقومون بهذا الطقس أول يوم منه. السبب فى ذلك معلوم بالضرورة، ويرتبط بانصراف الناس أول أيام الأضحى إلى الذبح والطبخ، فتأتى الفرصة لزيارة الأحبة الذين رحلوا ثانى يوم.

زيارة القبور من الأمور المحببة لأخذ العظة والعبرة وتذكر المصير المحتوم الذى سينتهى إليه الإنسان، فتهون فى نظره خطوب الدنيا مهما عظمت، وتصغر مشكلاتها مهما كبرت، وتحقر متعها ومعطياتها مهما تعاظمت: «يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ». الزوال والانتهاء هو أعدل الأشياء قسمة بين البشر، وهى عدالة مطلقة لفظاً وموضوعاً.

خلافاً للعديد من الشعوب الإسلامية ترتبط مسألة زيارة القبور لدى المصريين بالأعياد، خصوصاً حين يتقادم العهد بالراحل أو الراحلة. فهناك «طلعة رجب» و«طلعة عيد الفطر» و«طلعة عيد الأضحى»، وتتعجب وأنت تجد شعبنا الطيب يحول هذا الطقس إلى جزء من تراث البهجة.

زمان كانت زيارة المقابر فى الأعياد فسحة يهواها الصغار، وهم يمسكون بأيدى جداتهم وأمهاتهم، وهناك تختلط ضحكاتهم بدموع الجدات والأمهات وهن يتذكرن راحليهم. المرأة أيضاً كان يسمح لها -استثناءً- بالخروج إلى هذا المشوار، فى حين كانت تُمنع من غيره، وبالتالى كانت الفتيات والسيدات يجدن فرصة جيدة فيها للخروج من الحبسة داخل البيت، هذا الأمر ارتبط بأزمنة سابقة بالطبع، عبرناها منذ سنين.

بعض السيدات فى الماضى كن يبتن فى المقابر ليلة العيد، أو فى اليوم الأول من عيد الأضحى، ويستيقظن منذ الفجر لإعداد الصدقات التى يوزعنها على أرواح الراحلين، وكن يتبعن فى ذلك نهجاً عجيباً، إذ يملن إلى توزيع أنواع من المأكولات أو الفاكهة كان يحبها المرحوم أو المرحومة، ويرددن أنها ستصل إليهم، أو ثوابها بعبارة أدق.

مشاهد زيارة القبور فى الأعياد سمة مميزة لعلاقة المصريين براحليهم، وهى سمة لها ما يبررها، إذا أخذنا فى الاعتبار أن هؤلاء الراحلين كانوا يشاركونهم بالأمس طقوس البهجة بالأعياد وإحياء المواسم. وهذه السمة سائدة لدى الشعوب القديمة عموماً، مثل شعوب أمريكا اللاتينية، ولو أنك قرأت رائعة جارثيا ماركيز «مائة عام من العزلة»، فستجد فيها مشهداً تظهر فيه فتاة تحمل عظام أجدادها وآبائها فى كيس، حين انتقلت من قريتها القديمة لتعيش فى قرية «ماكوندو»، انطلاقاً من أن وطن الإنسان يمثل الأرض التى ترقد فيها عظام راحليه.. هكذا ببساطة.

الدنيا اختلفت هذه الأيام، وباتت عادة زيارة المقابر شعبية إلى حد كبير، ولم يعد أفراد الطبقة الوسطى الذين تربى أغلبهم على هذه العادات يميلون إليها، والسر فى ذلك تجده فى مواقع التواصل الاجتماعى التى جعلت كل شىء افتراضياً، فيكفى جداً أن يكتب أحدهم أو إحداهن «بوست» على الفيس بوك يترحم فيه على والديه أو من رحل من أحبابه، ويتلقى اللايكات والتعليقات والتفاعلات.

الكثير من العادات المصرية القديمة صارت افتراضية وأظن أنها فقدت بذلك الكثير من زخمها.. فليرحم الله الجميع.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العيد والراحلون العيد والراحلون



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:36 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:09 2024 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

مميزات كثيرة لسيراميك الأرضيات في المنزل المعاصر

GMT 05:00 2024 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

بوجاتي تشيرون الخارقة في مواجهة مع مكوك فضاء

GMT 05:50 2024 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

تسلا تنشر صور للشاحنة سايبرتراك باختبار الشتاء

GMT 13:06 2021 الأحد ,03 تشرين الأول / أكتوبر

منة شلبي عضو لجنة تحكيم الأفلام الطويلة بمهرجان الجونة

GMT 20:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

رسميًا إيهاب جلال مديرًا فنيا لنادي بيراميدز
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon