بقلم :د. محمود خليل
الجماعات المؤدلجة لا تتغير. فالجماعة المؤدلجة تملك مجموعة ثابتة من الأفكار والتصورات حول الواقع توقن بها يقينا قطعياً. وتيار الإسلام الجماعاتى يقع فى سياق هذه الفئة من الجماعات.
فى أحوال يبدو للبعض أن هذه الجماعات تقدم أفكاراً جديدة عن المرأة أو عن الانفتاح على الآخر أو عن الأخذ بمعطيات العصر، تعكس نوعاً من التحول فى رؤيتها أو نظرتها، وهذا البعض يعانى فى تقديرى من نوع من خداع البصر.
فالمرونة التى تبديها الجماعات الجامدة على رؤى معينة لا تعدو أن تكون نوعاً من المناورة، أو قُل نوعاً من البراجماتية التى تستهدف تحقيق أهداف مرحلية مؤقتة، سرعان ما تعود بعدها إلى ما كانت عليه من جمود.
قبل ثورة 25 يناير 2011 كانت الجماعات السلفية، على سبيل المثال، ترى أن الديمقراطية ليست من الإسلام، الذى تحدث فقط عن الشورى. والشورى من وجهة نظر الإسلاميين مسألة محصورة فى أهل الحل والعقد، ويقصد بهم بالمصطلح الحديث البطانة التى تحيط بالحاكم، كما أنها غير مُلزمة، بمعنى أن من واجب الحاكم أن يستمع إلى رأى أهل الحل والعقد فى المسائل المختلفة، لكنه غير ملزم بالأخذ به، لأن القرار النهائى حكر عليه وحده.
ولكى نكون منصفين، فهذه الطريقة فى التفكير ليست مقصورة على المنتمين إلى تيار الإسلام الجماعاتى وفقط، بل قد تمتد إلى مجموعات تؤمن بأفكار أو رؤى أو تصورات مغايرة تماماً. فالجمود واحد وإن تعددت أشكاله وصوره.
قادة الحملة الفرنسية على مصر (1798- 1801) بزعامة نابليون كانوا ينتهجون هذا النهج، فـ«نابليون» دخل على الشعب المصرى بالعمامة والمسبحة وقال لهم إنه الرجل الذى اختاره الله ليأتى من الغرب إلى الشرق المسلم ليرفع راية القرآن ويعيد إلى دولة الخلافة هيبتها وقوتها.
منشورات «هتلر» التى راجت فى حياة المصريين خلال الحرب العالمية الثانية، كانت تقول للناس إن رجاله فى الطريق لتحرير مصر من الاستعمار الإنجليزى، كما راج بين البسطاء من المصريين أن هتلر قد أسلم، وأنه يريد أن يعيد للإسلام مجده.
إنها ألعاب السياسة ومراوغات الساسة ومحاولتهم تسكين الشعوب بإسماعهم الأسطوانة التى يودون سماعها، تماماً كما يفعل تيار الإسلام الجماعاتى، فالدين يشكل مكوناً مهماً من مكونات الثقافة الشعبية، وبالتالى يمثل الطريق الأقصر للنفاذ إلى الناس عبره، حتى إذا تحقق المراد اعتمد حكم المؤدلجين وأسلوب إدارتهم على تهميش الشعب.
والأصل فى تهميش الشعوب هو عدم الإيمان بقدراتها والنظرة العلوية إلى أفرادها، فمن وجهة نظر المؤدلجين أن هؤلاء الأفراد لا يعرفون صالحهم ولا مصلحتهم، وبالتالى فعليهم أن يسمعوا ويطيعوا.
مشكلة هذه الطريقة فى التفكير أنها لا تؤدى إلى نجاح، لأن قدرة أى مجموعة سياسية على تحقيق أهدافها فى الواقع المَعِيش ترتبط بنجاحها فى إقناع أفراد الشعب بالمشاركة، فالمشاركة هى التى تؤدى إلى التطوير، ودفع عجلة الحياة إلى الأمام، وليس إلى الخلف.