توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«تلك الأيام»

  مصر اليوم -

«تلك الأيام»

بقلم - د. محمود خليل

بمناسبة ذكرى رحيل فتحى غانم (24 فبراير 2024) أعيد التوقف أمام بعض الأفكار العبقرية التى اشتملت عليها رواياته، ولنبدأ بـ«حديث الحقيقة».

فى رواية «تلك الأيام» يحكى المبدع «فتحى غانم» أن بطل العمل «سالم عبيد» وقف أمام أستاذه بالسوربون مسيو لافارج يستمع إليه وهو يقول له: «إن (مجتمعك) أضعف من أن يتحمل الحقيقة. إن كل ما تستطيع أن تفعله هو أن تدرس تفاصيل الأحداث، ثم تقف فى قاعة المحاضرات بجامعة القاهرة لتختار التفاصيل المناسبة اللائقة وتسردها أمام الطلبة. لا شىء أكثر من هذا يا عزيزى. نصف الحقيقة وتحيا. كل الحقيقة والمقصلة يا عزيزى». رواية «تلك الأيام» نشرها «فتحى غانم» عام 1962، وتعد، مع روايته «الأفيال»، من أهم الروايات التى عالجت ظاهرة الإرهاب.

على هامش الفكرة العميقة التى يطرحها «غانم» فى الفقرة السابقة من روايته يثور سؤال: هل نحن مجتمع لا يحتمل الحقيقة كاملة بالفعل؟. فى تقديرى أننا كذلك فى أغلب الأحوال. ولو أنك تأملت بعض العبارات التى تروج فى حياتنا فسوف تجد أنها تعبر عن هذا المعنى بطريقة أو بأخرى. على سبيل المثال نحن نصف أنفسنا بـ«المجتمع النامى» وليس «المجتمع المتخلف». الوصف الثانى يحمل الحقيقة كاملة، أما الأول فيعبر عن جزء منها. أيضاً يوصف المجتمع المصرى بأنه «مجتمع متدين» ولا نجرؤ على مواجهة أنفسنا بالحقيقة التى تقول إن تديننا تجارى أو لسانى أو ظاهرى، وإن بعضنا لا يتوانى عن منافقة السماء بنفس النشاط الذى ينافق به أهل الأرض. من أعقد الموضوعات إلى أتفهها لا يجرؤ كثيرون على مواجهة أنفسهم بالحقيقة. أنصاف الحقائق تروج وتنتشر بسرعة تفوق انتشار الحقيقة، وإلا بماذا نفسر الكم المرعب من الشائعات التى يتم تداولها على ألسنة الناس وأحاديثهم كل يوم؟.

يحكى فتحى غانم أن بطل الرواية «سالم عبيد»، الذى كان يعمل أستاذاً للتاريخ، جرب أن يقول الحقيقة مرة فناله ما ناله من عقاب. وبدلاً من أن يقدّر له الآخرون جرأته على البوح سخروا منه. فطلاب الحقيقة قلة وسط زحام بشرى كبير يحب أنصاف الحقائق. تعلم الدرس فى فرنسا وعاد إلى بلاده وقرر العزف على نفس الأوتار التى تعزف عليها الغالبية. اختار -كما علمه أستاذه- جزئيات معينة من الأحداث ترضى السامعين وانطلق يغرد بها فنال الرضاء. عاش يلعب بأنصاف الحقائق سنين عدداً، لكنه لم يتمكن فى النهاية من الهروب من الحقيقة الكاملة. وكذا شأن المجتمعات التى تقتات على أنصاف الحقائق أنها تستطيع أن تتعايش مع ذلك زمناً، لكنها لن تفلت من لحظة يلفها فيها حدث يضعها أمام الحقيقة كاملة ودون مواربة.

مؤكد أن الانحيازات المسبقة والتعصب أسباب واضحة تقف وراء ميل المجتمعات إلى «أنصاف الحقائق». فالانحياز والتعصب يوقعان المرء فى «فخ الانتقائية». وثمة فخ آخر يغذى هذا الميل هو «فخ الانتهازية». فالحرص على المصالح واللهاث وراء المغانم والمكاسب يؤدى بصاحبه إلى الدفاع عن أنصاف الحقائق، وأحياناً ما يدفعه الطمع إلى الدفاع عن أكاذيب واضحة بينة. أسباب أخرى عديدة توقع بالفرد والمجتمع فى شباك «أنصاف الحقائق» من بينها الخوف وقلة الوعى وغير ذلك، لكن يبقى أن المجتمعات التى تقبل بنصف الحقيقة هى مجتمعات تفكر بنصف عقل، وغالباً ما ينتهى الحال بها إلى أن تصبح «مجتمع انصاص».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«تلك الأيام» «تلك الأيام»



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon