توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كركت.. يكركت.. كركتة

  مصر اليوم -

كركت يكركت كركتة

بقلم - د. محمود خليل

من أقدم الكتب التى حذرت من الاستخدام السلبى للتطورات التكنولوجية المذهلة التى شهدتها البشرية مع نهايات القرن العشرين كتاب «عقل جديد لعالم جديد».

يفترض مؤلفا الكتاب «روبرت أرنشتاين وبول إيرليش» أن عقل الإنسان لم يتطور بالدرجة نفسها التي تطورت بها معطيات تكنولوجيا الحياة المحيطة به.

وأظن أنك لو طبقت هذه الفرضية على مجتمعنا، وكثير من المجتمعات الأخرى المحيطة بنا أو المشابهة لنا فى الظروف، فستجد فيها تفسيراً لحالنا إلى حد كبير.

يشير المؤلفان إلى أن الإنسان المعاصر أصبح ميالاً إلى كركتة العالم والأحداث التى تقع فيه أكثر من أية لحظة مضت، فما أكثر ما يتحول «التافه» إلى «مهم»، و«الحبة» إلى «قبة»، وهو يهمل فى مقابل ذلك ما يتوجب عليه الاهتمام به، فمثلاً يمكن أن يقيم مجتمع الدنيا ويقعدها حول طبيب استذل ممرضاً، لأن الأخير أهان كلبه، فتنطلق وسائل الإعلام لتتحدث عنه، ويصبح التريند السائد على مواقع التواصل الاجتماعى لعدة أيام، فى وقت لا يبدى فيه الاهتمام المطلوب بأحوال الممرضين وأوضاعهم وتأثير ذلك على أدائهم.

أيضاً حين تجد المجتمع ينقلب على طفل صغير يريد النوم «ربع ساعة» فى أول يوم دراسى له، ويهمل أوضاع المدارس والتعليم، وسوء تغذية الأطفال وغير ذلك.هذه الأمثلة وغيرها تقدم لك نموذجاً على منهجية «الكركتة» حين تسيطر على المجتمع، ويتشابه تفكير أفراده مع الطريقة التى يتعامل بها رسام الكاريكاتير مع شخصياته، حين يبالغ فى تضخيم ملمح من ملامح الوجه، فيجعله الأبرز لتختفى خلفه بقية التفاصيل.

و«الكركتة» يمكن أن تحدث بطرق أخرى حين يتم تضخيم شخص على حساب الموضوع، تجد أمثلة عديدة لذلك فى عالم الكرة، حين يغرق الإعلام والتواصل فى تناول أداء هذا اللاعب أو ذاك، وتحتشد مصاطب الكلام بالمتكلمين اللائمين على المدرب الذى لا يعتمد على القدرات المذهلة والموهبة المتفجرة التى يتمتع بها، مهملين أن كلامهم مجرد انطباعات، مقارنة بما يعتمد عليه المدربون الذين ينهجون نهجاً علمياً فى عملهم، فيختارون اللاعبين تبعاً للتحليل الموضوعى للأداء، وهو تحليل يقوم به متخصصون، يعتمدون على برامج علمية وكمبيوترية معتبرة فى صناعة القرار.

«الكركتة» إذن هى وسيلة من وسائل صناعة الوهم، وبالتالى فهى إحدى الأدوات البارزة لـ«صناعة التفاهة»، وهى تصبح خطيرة التأثير على المجتمع حين تفقده القدرة على ترتيب أولوياته بالصورة التى تحل مشكلاته، إنها فى هذه الحالة أداة لتكريس المشكلات وتعميقها أكثر داخل الواقع العام.

وقد تأخذ صورة أخرى تتعلق بالدفع بالتافهين إلى الأمام، فيتم تزيين السيئ، وتهميش الجيد، بل واغتياله معنوياً، من أجل المحافظة على منسوب معقول من الرداءة، يجعل المجتمع يغرق فى مستنقع الرداءة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كركت يكركت كركتة كركت يكركت كركتة



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon