بقلم - د. محمود خليل
كان من العجيب أن يتحدث «فريدريك دوجلاس» فى كتابه «مذكرات عبد أمريكى» عن مسألة العبادة، وكيف وظَّفها السادة الأمريكيون كأداة للسيطرة على العبيد، قبل الحرب الأهلية الأمريكية.
على مدار الأزمنة والأماكن اختلف الناس على أشياء عديدة، لكنهم اتفقوا -فى أغلبهم- على أن باب السماء مفتوح للجميع، وأن رحمة الله وسعت كل شىء.
قلة قليلة من البشر هى التى رأت أن باب الله لا يدخل منه إلا السادة المتميزون، وأن خلق الله من المستضعفين يجب أن تُغلق فى وجوههم أبواب دور العبادة.
يحكى «فريدريك دوجلاس» أن العبيد الأمريكان كانوا يُحرمون من دخول الكنيسة، وكأنه ليس من حقهم الصلاة والتقرب إلى الله.
إنها العنصرية المقيتة حين تصل إلى الدين، فيظن البعض فى أنفسهم حُراساً عليه ومسئولين عن دور عبادة الله، وأن لهم أن يمنعوا هذا منها، ويسمحوا لذاك بالدخول إليها، ناسين أن الله تعالى خالق كل البشر ورب الناس جميعاً، ولا يصح أن يتصور شخص أو مجموعة من الأشخاص أن من حقهم التأله على الله ومنح صكوك الغفران باسمه.
تكاد تتفق جميع الأديان على فكرة أن الدين علاقة تربط بين العبد وخالقه. فكل إنسان يؤمن بربه فى قلبه، والله تعالى هو الأدرى بأسرار القلوب، وهو الأعلم بإيمان البشر، وليس من حق أحد أن يتدخل فى العلاقة التى تربط قلب المؤمن بربه، والله تعالى هو الذى سيحاسب خلقه جميعاً، إن خيراً فخير، وإن شراً فعقاب وعذاب.
وما دام الإنسان محاسباً على عمله، فإن إيمانه يصبح مسألة خاصة بينه وبين خالقه.
وما دام الإنسان لا يملك لنفسه أو لغيره نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، فلا بد أن يسلم أمره لله كاملاً. وما دام الله تعالى قيوم السموات والأرض فيتوجب على الإنسان ألا يخشى أحداً إلا الله.
هذه المعانى لو رسخت فى قلب إنسان فمن المؤكد أنه سيخلص إلى حقيقة أساسية، ملخصها أنه إذا كان الله هو القادر والمالك والقيوم فإن الله تعالى هو «السيد»، السيد الوحيد الجدير بأن يخضع له الإنسان.
لقد كانت نظرة السادة الأمريكيين، كما يحكيها «فريدريك دوجلاس»، إلى مسائل الدين والتدين عجيبة للغاية، وكأنهم كانوا يريدون منع الأفارقة من العبودية لله، ليكونوا عبيداً لهم وحدهم.
فالعبودية الحقة هى عبودية لله، العبودية لله تمثل قمة العز والاعتزاز فى الحياة، أما العبودية لغير الله فخزى ومذلة وإهانة.
لقد كان السادة يعلمون أن العبودية الحقة لله لا بد أن تدفع صاحبها إلى الثورة على العبودية لغيره من البشر، وأن الإيمان الحق لا محالة دافع بصاحبه إلى الحرية.
كان السادة يخشون من تمكن قيم الدين من نفوس العبيد لأن ذلك يمثل خطراً عليهم، لذلك كانوا يسعون إلى منعهم من ارتياد دور العبادة، واعتبروا أنفسهم سادة لهم فى دينهم، كما هم سادة عليهم فى دنياهم.