توقيت القاهرة المحلي 02:14:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«الحديدية» سيدة «الرقة»

  مصر اليوم -

«الحديدية» سيدة «الرقة»

بقلم - د. محمود خليل

امتلكت أم كلثوم «صلابة داخلية» لا ينافسها فيها إلا من كان فى مثل تكوينها. هذه الصلابة ساعدتها على أن تكون نفسها، وليس أحداً غيرها، ومكنتها من عبور الكثير من المحن وهى تحترم نفسها، والنتيجة «احترام الجميع» لها.يذكر «محمود عوض» فى كتابه «أم كلثوم التى لا يعرفها أحد» أن الفتاة الريفية الموهوبة استقرت فى القاهرة عام 1926، بعد مضى 7 سنوات على ثورة 1919. كانت مصر فى ذلك الحين تعانى مما اعتادت على المعاناة منه بعد كل ثورة، خلافات شديدة ما بين التيارات السياسية التى وحّدتها الثورة، وفرقتها المصالح، وبدأ كل منها يسير فى طريق، فقد عرف «القصر والاحتلال» كيف تضرب كل طرف بالآخر (الثورة المضادة)، ونجحت فى محاصرة أى نتائج إيجابية لثورة 1919. اجتاح الشعب إحساس عميق بالمرارة والإحباط، بعد ما قدمه من تضحيات فى الثورة، دون أن يحقّق ولو جزءاً من حلمه فى وطن أفضل، وحين تسيطر المرارة والإحباط على المجموع يميل بعض أفراده إلى إخراج أسوأ ما فيهم، فيفسد الذوق، وتنحط الأخلاق، ويسود الردىء، وقد ظهر صدى ذلك فى الكثير من المجالات، ومن بينها الغناء، فأصبحت كلماته «ثرثرة مراحيض». وانتشرت أغانٍ مثل: «ارخى الستارة اللى فى ريحنا»، و«الخلاعة والدلاعة مذهبى»، و«بعد العشا يحلى الهزار والفرفشة»، و«إوعى تكلمنى بابا جاى ورايا».فى ذلك الوقت لم تكن أم كلثوم تعرف من فنون الغناء إلا المديح النبوى والإنشاد الدينى، وإذ أرادت أن تطرب غنّت إحدى قصائد الشعر العربى، وكان لهذا النوع من الفن جمهوره، لكن صوتهم كان تائهاً وسط الصخب المعبر عن حالة المرارة والإحباط التى يشعر بها الناس، فدفعتهم إلى التفاعل مع الردىء. تحكى «أم كلثوم» أن الجمهور كان يقاطعها فى بعض حفلاتها الأولى بالقاهرة، ويطلب منها أن تغنى للخلاعة والمياعة ويا ليل يا عين، فترفض فى إصرار، وصل الأمر إلى حد تهديدها بمسدس فى أحد الأفراح، لكنها أبت بصلابة، وظلت تبدع الفن الذى تؤمن به.طاردتها الصحف ونقاد زمن الرداءة وأخذوا يُقلّلون موهبتها، ويردّدون أن فتحية أحمد ومنيرة المهدية أغنى منها موهبة، قالت فى نفسها: «فليعتبرنى الناس فى الدرجة الثالثة.. لا يهم.. المهم ألا أبقى فى الدرجة الثالثة». واصلت «أم كلثوم» السعى فى صلابة حتى تمكنت -بمفردها- من إصلاح ما فسد فى ذوق أمة بأكملها، زحف فنها على تيار الرداءة السائد فشتّته، حتى لم يعد له أثر. بعد زمان قضاه الناس يفضّلون فيه «ثرثرة المراحيض»، بدأوا يدندنون بـ«أفديه إن حفظ الهوى»، و«سمعت صوتاً هاتفاً فى السحر»، «وسلوا قلبى»، ومن بعد ذلك دندنوا بـ«من أجل عينيك»، و«يا فؤادى لا تسل أين الهوى»، و«حديث الروح للأرواح يسرى».لقد استطاعت السيدة الصلبة أن تصمد على ما تؤمن به، حتى آمن به الناس، ومع ذلك فلم تكن صلابة «الست» جموداً أو رفضاً للجديد، على العكس تماماً، فقد كانت ترحب به وتمنح الفرص للأجيال الجديدة من الكتاب والموسيقيين.وتعجب بعد ذلك كيف عاشت هذه الحديدية الصلبة «سيدة للرقة»؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الحديدية» سيدة «الرقة» «الحديدية» سيدة «الرقة»



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:36 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:09 2024 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

مميزات كثيرة لسيراميك الأرضيات في المنزل المعاصر

GMT 05:00 2024 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

بوجاتي تشيرون الخارقة في مواجهة مع مكوك فضاء

GMT 05:50 2024 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

تسلا تنشر صور للشاحنة سايبرتراك باختبار الشتاء

GMT 13:06 2021 الأحد ,03 تشرين الأول / أكتوبر

منة شلبي عضو لجنة تحكيم الأفلام الطويلة بمهرجان الجونة

GMT 20:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

رسميًا إيهاب جلال مديرًا فنيا لنادي بيراميدز
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon