توقيت القاهرة المحلي 11:01:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الدكتور "عقل"

  مصر اليوم -

الدكتور عقل

بقلم - د. محمود خليل

تعكس رواية "المرايا" لنجيب محفوظ رؤيته الخاصة للحياة في مجتمع مصر ما قبل يوليو 1952، وهي حياة منطوية على قدر كبير من التقلب والتحول.

فكل هدوء في حياة شخص ينذر بعاصفة تأتي بعده، وكل شرود لفرد قد يعقبه العثور على طريق.. كل شىء يتحول، وكأن التحول قدر، فالشرير قد ينقلب خيّراً، والخيّر قد يتحول إلى شرير، والملحد قد يتحول إلى مؤمن، والمؤمن قد يحيد عن طريق الإيمان، والعقلاني قد يتحول في لحظة إلى درويش، والدرويش قد يتحول إلى عقلاني وهكذا.

والأصل في ذلك هو تركيبة هذا الشعب الذي يصفه الدكتور ماهر عبد الكريم -إحدى شخصيات الرواية- بالوحش المذكور في بعض الاساطير الشعبية، يستيقظ أياماً وينام أجيالاً.

فالنوم هو الحالة المفضلة لكن الحذر كل الحذر من لحظة يقظة قد يأتي فيها بالأعاجيب، وينقلب فيها من حال إلى حال.تتعجب وأنت تقرأ رواية المرايا كيف أجاد نجيب محفوظ ملاحظة الحياة من حوله والشخوص الذين يتحركون على مسرحها، والتقاط من يصلح منهم ليحولهم إلى أبطال لرواياته، ورسم تحولاتهم على الورق، تلك التحولات التي تضرب المثقف الكبير والفلاح البسيط، المتعلم والجاهل، الرجل والمرأة، ابن المدينة وابن الريف، الشاب والطفل والكبير الطاعن في السن.

كل هذه النماذج تنام سنين طويلة -من وجهة نظر نجيب محفوظ في المرايا- حتى يظن من ينظر إليها أنه يستعيد مشهد "أهل الكهف"، الذين لبثوا في كهفهم أكثر من 300 عاماً، لكنهم قادرون على مفاجأته بلحظة يقظة ينتقلون فيها من حال إلى حال.أولى شخصيات المرايا "ابراهيم عقل" تقدم لنا نموذجاً على خط التحول الذي يحكم شخصيات الرواية.

فقد بدا في أول الرواية كرجل يحتفي بالعقل والبحث عن الحقيقة، غير مكترث بأحاديث السياسة، بل ويرى أن السياسة أكبر مفسدة للعقل البشري، لأن الحماس العاطفي أحياناً ما يغلب عليها.

عاش "عقل" حياته بالعقل وبحسابات المصالح بصورة أساسية، وكانت عاطفيته تظهر فقط وهو يلاعب ابنيه، فقد كانا بالنسبة له مصدر السعادة الأول والأخير، ظل الأستاذ الجامعي والمفكر العقلاني يحقق المكاسب ويتبوأ المناصب سنين عددا، حتى ضرب مصر وباء الكوليرا عام 1947، فاختطف من ضمن ما اختطف ولديه.

بدا "ابراهيم عقل" ذاهلاً وكأنه ليس من هذه الدنيا، وهو يشيع فلذتي كبده إلى مثواهما الأخير. بعدها بدأ ينحي عقله جانباً، وفوجى من حوله بتحوله إلى دوريش في رحاب "الحسين".

لم يعد يُرى إلا أمام مقصورته. احتار من يعرفون الرجل في أمر إيمانه، وهل هو إيمان النشأة الذي استيقظ داخله فجأة، أم إيمان الإدراك والعقل، أم الإيمان الناتج عن كارثة، أم إيمان الفلسفة.

لم يصل أي منهم إلى إجابة قاطعة على هذا التحول، لكنهم جميعاً انتهوا إلى أن الرجل وجد أخيراً واحة راحة، فآوى إليها من حر الدنيا وقسوتها.

اقتنع الجميع أن العقل بمفرده لا يمكن أن يقيم صلب الإنسان أمام أحداث الحياة، وأن القلب بمفرده وما ينتج عنه من عاطفية وحماس لا يمكن أن يضع الإنسان فوق أرض صلبة يستطيع أن يغير منها واقعه.. فالانسان عقل وقلب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدكتور عقل الدكتور عقل



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon