توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«باش جراح» المحروسة

  مصر اليوم -

«باش جراح» المحروسة

بقلم - محمود خليل

 

الخطط التعليمية فى مصر أوائل القرن التاسع عشر كانت ترتكز على البعثات كأداة أساسية لإنتاج الكوادر المهنية القادرة على التأسيس والارتقاء بالمهن المختلفة فى مصر، وعلى رأسها بالطبع مهنة الطب، وانطلاقاً من ذلك سافر محمد على الحكيم فى بعثة لتعلم الطب فى فرنسا. وكان اختيار طلاب البعثات فى ذلك الوقت يتم طبقاً لمعايير دقيقة، وتقدم لهم الدولة راتباً شهرياً، تحدد فى 150 قرشاً، كان «الحكيم» يعطى 50 قرشاً منها لوالدته، ويستبقى 100 قرش لنفسه.. ويمنحك هذا التصرف مؤشراً على الوضع الاقتصادى للأسرة التى خرج منها «الحكيم»، فلم تكن بالثراء الذى يساعدها على الاستغناء عن مساعدته، بل كانت تستثمر فيه حين وجهته إلى التعليم، وتأملت أن يشق لهم هذا الفتى طريقاً يسلكونه ليصبحوا من الأسر الأكثر ارتكازاً على مستوى الوضعين الاجتماعى والاقتصادى.

مكث محمد على الحكيم يدرس فى مدرسة الطب بباريس، وأثبت تفوقاً ملحوظاً فى الدراسة، وخاض العديد من الامتحانات الشفوية ونجح فيها بتفوق، ولم يتبقَّ له إلا أن يقدم «رسالة» فى أحد أفرع الطب، تتناول أحد الأمراض الشائعة فى مصر، حتى يحصل على الدرجة العلمية المؤهلة له لكى يكون طبيباً مرموقاً، وهنا حدث ما لم يكن فى الحسبان، فقد وردت المكاتيب من مصر المحروسة له ولطلاب البعثة بالعودة فوراً إلى مصر، فعاد «الحكيم» يجر أذيال الخيبة والإحباط مع زملائه، ليكتشفوا فى مصر أن المخاطبة التى طالبتهم بالعودة صدرت بدون علم الوالى محمد على، وأن البيروقراطية المصرية العتيدة التى تحسبها بالنكلة والسحتوت هى السبب فى أمرهم بالعودة. تم تصحيح الموقف بتوجيهات من محمد على فعادت البعثة من جديد، واستكمل محمد على الحكيم مشواره.

كانت الرسالة التى أعدها محمد على الحكيم حول «الرمد الصديدى فى مصر» -كما يشير جرجى زيدان فى كتابه «تراجم مشاهير الشرق فى القرن التاسع عشر»- من الكفاءة بحيث أثارت إعجاب أساتذته الفرنسيين، ووصلت أخبار تفوقه وإعجاب الفرنسيين به إلى مصر، ما مكنه بمجرد العودة إليها -عام 1838- إلى أن يصبح «باش جراح» وأستاذاً للعمليات الجراحية الكبرى والصغرى والتشريح الجراحى. وقد كان مرض الرمد الصديدى من أكثر الأمراض شيوعاً بمصر فى ذلك الوقت وكان سبباً فى إصابة الكثيرين بالعمى.

أنعم الوالى على محمد على الحكيم برتبة «صاغقول أغاسى»، وهى رتبة رائد، ورُقى بعدها إلى رتبة بكباشى (مقدم)، وكان أى مهنى فى ذلك الوقت يبلغ مبلغاً معيناً من العلم يكافأ برتبة فى جيش الوالى، يتحدد على أساسها راتبه ومكتسباته. وقد بلغ محمد على البقلى الملقب بـ«الحكيم» بعد ذلك رتبة أمير ألاى (عميد)، وفاز بالعديد من المناصب والنياشين الرفيعة تقديراً لجهوده فى خدمة المرضى والعمل الطبى فى مصر، ورغم النجاحات التى حققها عبر رحلته والتى نقلته ونقلت أسرته نقلة كبيرة على المستويين الاجتماعى والاقتصادى، فإن هذه الرحلة لم تخلُ من العديد من الأحداث الدرامية المثيرة، خصوصاً فى علاقته بحكام الدولة العلوية.. وكان أكثرها إثارة حادثة وفاته.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«باش جراح» المحروسة «باش جراح» المحروسة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon