توقيت القاهرة المحلي 17:13:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تخريب الوجدان

  مصر اليوم -

تخريب الوجدان

بقلم - د. محمود خليل

تعمد الاحتلال الانجليزي، الذي دهم مصر عام 1882، "تخريب الوجدان" العام بصورة تؤدي إلى إحكام السيطرة على الشعب. يذهب المبدع الراحل "خيري شلبي" إلى أن جانباً من تخريب الوجدان العام اتجه إلى الأغاني، فجاءت كلماتها معبرة عن الانكسار، والضعف، ومذلة الحبيب أمام من يحب، وقد ذكر ذلك في معرض حديثه عن الشاعر الراحل "عبد الفتاح مصطفى" في كتابه "أعيان مصر".

حقيقة الأمر أن مسألة تخريب الوجدان اتخذت أبعاداً أخرى أشد خطورة من الأغاني اعتمد عليها الاحتلال في خلخلة "النفسية المصرية" حتى تصبح طيعة في يده وأميل إلى الاستسلام له. ولا يعني ذلك التهوين من تأثير الدور الذي لعبته الأغاني في تمييع الوجدان المصري، وتربيته على فكرة الاستسلام للحبيب القاهر، والرضاء بالمذلة أمامه: (عزة جمالك فين من غير ذليل يهواك)، والشكوى من حالة الانهيار التي تصيب المحب إذا غضب عليه حبيبه وهجره: (مسكين وحالي عدم من كتر هجرانك.. ياللي تركت الأهل والوطن على شانك).. ولعلك تعرف أن الأغنية الأخيرة التي شدا بها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب كانت محل نقد من مصطفى باشا النحاس، الذي عاتب المطرب الشهير على الترنم بهذه الكلمات التي تحث الشباب على الضعف والميوعة، وسأله عن معنى أن يقرر الإنسان أن يترك أهله ووطنه بسبب هجر حبيبه له؟لم تمثّل الأغاني وحدها الأداة التي اعتمد عليها الاحتلال في تخريب الوجدان المصري، بل وظّف إلى جوارها أدوات أخرى عديدة، في سياق خطة ممنهجة تستهدف القتل المبكر لأي تمرد شعبي ضده، ودفع المصريين إلى الرضاء بوجوده، والتعاون معه.

وظني أن الانجليز أدركوا أهمية "تخريب الوجدان" منذ اللحظة الأولى التي وضعوا فيها أقدامهم في مصر. فقد دخلوا البلاد على أنقاض ثورة، لفّت البلاد من أقصاها إلى أقصاها، هي ثورة "عرابي"، شارك فيها أطياف مختلفة من المصريين، وكان من ضمن أهدافها المعلنة الإطاحة بالخديوي توفيق من سدة الحكم، بل وطرحت وقتها فكرة تحويل مصر إلى جمهورية.أدرك المحتل منذ اللحظة الأولى ضرورة اللعب في وجدان المصريين، ليتحول من الحالة الصلبة إلى الحالة السائلة، أو من حالة التماسك إلى حالة السيولة.

الوجدان المتماسك هو الوجدان غير المصاب بعمى الألوان في النظر إلى الحياة والأحياء والأشياء، يرى الحياة حلوة وتستحق العيش الكريم، لكنه يعلم أنها ليست بدار خلود. يؤمن بضرورة وجوده بين أفراد يحبهم ويحبونه من الأهل والأصدقاء والأحباء، بنفس الدرجة التي يؤمن بها بأن الحياة لا تتوقف على أحد، يرى في الإصلاح وتحسين شروط الحياة ضرورة تستحق السعي والتضحية من أجلها، وأن من الأهمية بمكان أن يحترم الرموز الساعية إليه ويدعمها بكل طاقته، ويرى أن المصلحين هم النجوم الحقيقيون للحياة، وليس الدجالون أو المهرجون أو الانتهازيون.

صاحب الوجدان المتماسك يتحرك في الحياة بقدر كبير من الثقة في الذات، ويساعده ذلك في الكثير من الأحيان على النجاح، وهو لا ينزعج أو يتجه إلى جلد ذاته في الحالات التي يفشل فيها، بل يتعلم من فشله، لأنه يعلم أن السعي والمحاولة جزء من طبيعية الحياة.في المقابل تجد صاحب "الوجدان المخرب" أو "السائل" عكس ذلك على طول الخط، فكل الأمور في نظره مختلطة، فهو لا يجد غضاضة في أن يعيش "ميتاً بالحياة"، وعلى استعداد لأن يرهن نفسه لآخرين، يذل نفسه لهم ويهدر كرامته على أعتابهم، لا يحب الإصلاح لأن الفساد يعطيه فرصاً أفضل، ونجومه هم الدجالون والمهرجون والانتهازيون، وغيرهم من رموز الحياة الفاسدة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تخريب الوجدان تخريب الوجدان



GMT 10:03 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مش معقول.. ستة دنانير فطور صحن الحمص!

GMT 09:32 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

«آخر الكلام»

GMT 09:31 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّما المَرءُ حديثٌ بعدَه

GMT 09:30 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

وقف النار في الجنوب اللبناني وما بعد!

GMT 09:29 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

سفينة العراق والبحث عن جبل الجودي

GMT 09:27 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا: المفاجأة الكبرى أمام ترمب

GMT 09:26 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثلث نساء العالم ضحايا عنف

GMT 09:24 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أوكرانيا...اليوم التالي بعد الألف

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon