بقلم - د. محمود خليل
أوائل السبعينات اشتهر فى مصر مسلسل إذاعى كان يتم بثه عبر إذاعة الشرق الأوسط، اسمه «عطاء بلا حدود».. العنوان يبدو إنشائياً -بعض الشىء- حالياً، لكنه وقتها كان يعبر عن إحساس الناس -فى أغلبهم- بالبطل الذى يحكى عنه المسلسل، وبعطائه الفريد من نوعه لكل من حوله.. كان ذلك البطل هو الدكتور «أنور المفتى».. الحكيم الثانى الذى نحكى عنه بعد الدكتور محمد على البقلى.
مسلسل «عطاء بلا حدود» كان ضمن سلسلة مسلسلات شهرية تبثها إذاعة الشرق الأوسط فى الماضى، تحكى سيرة حياة عدد من المشاهير من فنانينا وأدبائنا ومبدعينا، ورموزنا العلمية والوطنية.
وكانت الإذاعة قد تعودت أن تنتج بشكل سريع ومتقن فى الوقت نفسه مسلسلات عن الرموز بمجرد رحيلهم، كذلك فعلت عند وفاة الدكتور طه حسين عام 1973، وأم كلثوم عام 1975، وعبدالحليم عام 1977 وهكذا.. الاستثناء الوحيد فى ذلك كان الدكتور «أنور المفتى»، فقد توفى الطبيب الشهير عام 1964، وأنتج المسلسل الذى يحكى سيرته خلال الفترة من 1971- 1972، إن لم تخُنى الذاكرة.
وعلى ما أذكر أيضاً لعب دور الدكتور المفتى فى المسلسل الفنان كرم مطاوع، رحمه الله، وقد جسَّد شخصيته بعبقرية، أدت إلى تفاعل كبير من جانب أغلب الناس مع المسلسل، ويبدو أن البعض اعتبره مناسبة جيدة لإعادة تدوير العديد من الشائعات التى اقترنت بالدكتور أنور المفتى، الطبيب الذى كان يشرف على علاج الرئيس جمال عبدالناصر.
واعتبر البعض أن إنتاج المسلسل، أوائل عصر أنور السادات، وبعد وفاة «عبدالناصر» بسنتين فقط، أمر غير طبيعى، تماماً مثل الإشاعات التى راجت فى مصر بعد وفاة الدكتور المفتى، والتى تنكر أن تكون وفاته طبيعية.
فى كل الأحوال أدى مسلسل «عطاء بلا حدود» دوراً مهماً فى جعل اسم الدكتور أنور المفتى على كل لسان، وقد كانت الإذاعة فى ذلك الوقت الوسيلة الإعلامية الأكثر انتشاراً فى شتى ربوع مصر، وعبر أثيرها عرف الكثير من الناس شخصية الطبيب الإنسان أنور المفتى، وتتبعوا سيرته الطيبة وعطاءه غير المحدود لوطنه، وكيف أخلص هذا الرجل لمهنته، وكيف قدم العديد من الإضافات العلمية والطبية المهمة التى أفادت الفلاحين من أهل مصر والذين كانت البلهارسيا تأكل صحتهم.
عالج المسلسل أيضاً الوفاة المفاجئة للدكتور أنور المفتى، والتى لعبت مع عبقريته الطبية الفريدة، وإنسانيته الرفيعة فى التعامل مع مرضاه، دوراً مهماً فى خلق أسطورته الشعبية. فقد توفى الرجل عن عمر لا يزيد على 51 عاماً، وفاة مفاجئة دون سابق إنذار. والوفاة فى مثل هذا العمر ومثل هذا الظرف توجع قلب المصريين.. هكذا تعودوا.. أذكر أن حزن الناس كان كبيراً مع إذاعة الحلقة الأخيرة من المسلسل، والتى تحكى غروب شمس الرجل الذى ارتبطت باسمه عبارة «عطاء بلا حدود».. رحمه الله.