توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قارون و«القرننة»

  مصر اليوم -

قارون و«القرننة»

بقلم - د. محمود خليل

النموذج "القاروني" هو ببساطة النموذج الذي يتمثل المعادلة التي عاش بها "قارون" كبير أثرياء قوم موسى، المعادلة التي بينتها الآية الكريمة التي تقول: "إنما أوتيته على علم عندي".

إنها المقولة التي واجه قارون قومه بها، حين نصحوه بعدم الاغترار بما يملكه من أموال وكنوز، وأن يحسن إدارتها ولا يجعلها وسيلة لإفساد الحياة: "إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين".

رد قارون على من بذلوا له النصيحة بأن ثرواته جاءت نتيجة جهده وتعبه وعرقه وذكائه ومهارته، وما يختزنه عقله من علم في إدارة المال وتنميته. إنها اللعبة الأزلية الأبدية التي ينظر فيها الإنسان فلا يرى إلا نفسه.

النموذج القاروني يمكن أن تجده في عالم المال والأعمال، وفي عالم السياسة، وفي عالم العلم والتعليم، وفي عالم الثقافة والإعلام، وحتى في عالم الكرة، قد تجد هذا النموذج، الذي يخرج على الناس -وكأنه أعلم أهل الأرض في اللعبة- ليطلق صاروخاً كلامياً يلخص فيه رؤيته للواقع الذي لا يرى فيه موهوباً سواه، وأن غيره مجموعة من المفلسين أو معدومي الموهبة.

في كل المجالات تجد النموذج القاروني، وقد اخترع المصريون كلمة "قرننة" وهي مشتقة من الفعل "تقرنن"، وكأنهم يريدون الدلالة بها على بعض الشخوص الذين يميلون إلى استدعاء نموذج "قارون" وهم يؤدون في الحياة، فيتعاملون مع غيرهم بتعالي، وينظرون إليهم نظرة دونية، ويقللون باستمرار من قدرات غيرهم.

كان يقال على سبيل المثال "فلان بتقرنن على الناس"، أي يعاملهم من أعلى، ويخاطبهم من طرف لسانه، ويسلم عليهم بأطراف أصابعه، وكأن يقال: "فلان يحب القرننة" أي أن يشعر أنه فوق غيره، وأن موضعه فوق أكتاف الجميع، حيث يجلس ويدلدل رجليه أو يمدها في مواجهة الجميع.

كأن المصريين منذ زمان بعيد يستوعبون المعادلة القارونية والتأثيرات السلبية لها على حياة المجتمعات، ويبدون متأثرين جيلاً بعد جيل بقصة قارون التي وقعت قبل آلاف السنين، وتعاصرت مع نبي الله موسى، وشرحت جانباً من جوانب حياة هذا العصر.

فالشخص "القَرَن" يمثل من وجهة نظر الأجيال المتعاقبة من أبناء هذا الشعب نموذجاً ممقوتاً، لا يضيف للحياة شيئاً، بل يساهم في إرباكها وتسميمها، لأن أدائه يستند دائماً إلى فكرة تسفيه الواقع من حوله، واتهام كل الأشخاص الذين يدورون في المجال الذي يعمل فيه بالجهل وانعدام القدرات وضحالة الموهبة وغير ذلك، وبدلاً من أن يمنحهم الثقة بأنفسهم ويجتهد في اكتشاف قدراتهم وتنميتها، يشوطهم في ضربة كلامية واحدة.

نموذج "عم القَرَن" يظن أنه "بابا المجال" رغم أن التجربة تقول أنه لا يفلح في أغلب الأحوال، وقد يخفق إخفاقات غير مسبوقة حين يتولى مهمة معينة، ويتحول إلى آلة عاتية للخراب والتخريب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قارون و«القرننة» قارون و«القرننة»



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon