توقيت القاهرة المحلي 21:02:43 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أخلاق الخواجات

  مصر اليوم -

أخلاق الخواجات

بقلم - د. محمود خليل

المتأمل للمذكرات التى كتبها كبار مفكرينا وأدبائنا عن أوضاع الحياة فى مصر ما قبل ثورة يوليو 1952 يلاحظ أن الموقف من المحتل الإنجليزى كان مختلفاً من شخص إلى آخر من المصريين، فالبعض نظر إلى الإنجليز كمحتلين لا بد من مقاومة وجودهم بالبلاد حتى يخرجوا من كل شبر فيها، لكن آخرين رأوا عكس ذلك، واعتبروا الاحتلال الإنجليزى مفيداً لمصر، وأنه طور من أوضاعها.

فى الجزء الأول من سيرة الدكتور خليل حسن خليل، وعنوانه «الوسية»، تجده يحكى عن زوج عمته الذى فرح حين عرف أنه يعمل فى وسية أحد الخواجات، وأخذ يمتدح له الخواجات وأخلاقياتهم، وكيف أنهم يحرصون على الوقت، والعمل، ويعطون كل ذى حق حقه، ويحبون التطوير، وحين اشتكى له «خليل» من أن الخواجة يأكل حقه، ولا يعطيه سوى بضعة قروش نظير أعمال لا تعد ولا تحصى داخل مزرعته، علق الأخير بأن المؤكد أن الخواجة سيزيده بعض القروش مستقبلاً إذا رآه يؤدى عمله على النحو الأمثل.

ويحكى سيد عويس فى مذكراته: «التاريخ الذى أحمله على ظهرى» أن جده لأبيه كان من أشد المحبين للإنجليز، وحين علم أن أحد أبنائه شارك فى ثورة 1919 وأخذ يهتف بالاستقلال التام أو الموت الزؤام، أمسك بالكرباج، وجاء بولده وأخذ يسبه ويشتمه على مشاركته فى المظاهرات، ويسأله عما يلومه على الإنجليز، ويذكّره بأن المحتل هو من أدخل إلى مصر الكهرباء، وهو من عرفها بالترام ووسائل النقل، وجعل الناس يستخدمونها بدلاً من الحمير، ومع كل تذكرة بإحدى أيادى الإنجليز على مصر، كانت يد الجد تنهال بالسوط على ولده، والولد يهتف مطالباً بالاستقلال.

حكاية «جودة أخلاق الخواجات» واحدة من الحكايات القديمة المتجددة فى الوجدان المصرى. بعض كبار مفكرينا امتدحوا أخلاقيات المجتمعات الغربية، وقالوا إنهم يرون فيها إسلاماً بلا مسلمين، ويرون فى المجتمعات المسلمة مسلمين بلا إسلام. وحقيقة الأمر أن لكل مجتمع أخلاقياته، والأخلاق نتاج لمجموعة من العوامل المتداخلة، من بينها الدين والثقافة والتربية والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وغير ذلك. وفى الأحوال العادية تأخذ الأخلاق منحى قد يختلف عن المنحى الذى تأخذه فى أوقات الأزمات. ولا يوجد فى الحياة خير محض ولا شر محض، وكل شخص أو مجتمع فيه الخير وفيه الشر.

علينا ألا ننسى أيضاً أن بعض من امتدحوا الاحتلال الإنجليزى قبل يوليو 1952، وربما بعدها، أغفلوا الحقيقة التى تقول إن أخلاق الخواجات محكومة بالنظرية النسبية، فهى عالية سامقة حين تتصل بالتعامل مع الغربيين أمثالهم، لكنها تختلف كل الاختلاف حين تتصل بالشرق وأبنائه، وأشهر نموذج على ذلك يتعلق بحقوق الإنسان والموقف الأخلاقى منها. فالإنسان فى نظر الغربيين هو الإنسان الغربى الذى يتوجب حماية حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية وخلافه، أما إنسان الشرق فله الله إن تم سحقه ليل نهار.

يبقى أن لكل إنسان عدسته الخاصة فى النظر إلى الأشخاص والأحداث، فهناك من ينظر بعدسة رائقة، ومن ينظر بعدسة مغبشة، وهناك من ينظر بعدسة مستوية، أو ينظر بعدسة مقعرة أو محدبة، وتأسيساً على ذلك تختلف الرؤى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أخلاق الخواجات أخلاق الخواجات



GMT 19:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

‫تكريم مصطفى الفقى‬

GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon