توقيت القاهرة المحلي 11:08:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

آخر لخبطة

  مصر اليوم -

آخر لخبطة

بقلم - د. محمود خليل

عن طريق إعلان طريف -فى حينه- عنوانه (ألوان اللخبطة)، دخل رجل الأعمال الحاج «محمود العربى» رحمه الله عالم الشهرة. الإعلان كسّر الدنيا منذ بثه، وأصبحت أغنيته الشهيرة «ألوان اللخبطة بتلخبط لخبطة» تتردد على لسان الأطفال وأحياناً الكبار.

فكرة الإعلان كانت بسيطة، وتركز على قدرة ألوان اللخبطة على قلب الأشياء والكائنات، فتحول القطة إلى كلبة، والكلبة إلى قطة، والأسد إلى فأر، والفأر إلى أسد وهكذا.

شهرة الإعلان لم ترتبط بكفاءته وصناعته الجيدة وفقط، بل ارتبطت بقدرته على التعبير عن التحول الذى بدأ يحدث فى مصر السبعينات، وتحديداً بعد حرب أكتوبر المجيدة، فقد بدأ الناس يشعرون بأن الأشياء تتلخبط على بعضها البعض، الانفتاح تلخبط على الاشتراكية، والحرب على السلام، والدين على الدولة، والفرعونية على القومية وهكذا، بعبارة أخرى صار المشهد العام فى مصر وكأن يداً أمسكت بـ«ألوان اللخبطة».

وأخذت «تدلق» منها على ورقة بصورة فوضوية، فرسمت أشكالاً ذات ألوان متناقضة بصورة تثير السخرية.

حين تتلخبط الأشياء تطيش الرؤية، وتصبح ألوان اللخبطة سبباً فى عمى الألوان، وإضعاف قدرة الإنسان على التمييز بين الأشياء والأشكال، فتتداخل الصور ويطيش النظر.

وليس ثم من هدف لعملية اللخبطة -فى مثل هذه الأحوال- سوى إحداث أكبر قدر من التشوش لدى العقل العام وداخل الوجدان العام، فلا شىء يؤدى إلى التشوش قدر التداخل الفوضوى، والنتيجة التى تترتب عليه فى الأغلب تتحدد فى عدم القدرة على الإمساك بحقيقة، فكل شىء منفلت وينفلت من اليد، كما ينفلت الماء.

وقد عاش المصريون هذه الحالة فى السبعينات (وحقب عديدة أخرى فى تاريخهم).

يكفى أن يتذكر من عاصروا هذه الحقبة حالة اللخبطة ما بين ما اختزنته الذاكرة حول الحرب المقدسة من أجل تحرير الأرض العربية السليبة، والصور الجديدة التى بدأت تتدفق -بعد زيارة السادات لإسرائيل- حول السلام وحلاوة السلام والآيات القرآنية التى تمجد السلام، والأغانى التى تمجد السلام وتحتفى بموقفنا البادئ بالسلام: «بالسلام إحنا بدينا»، وغير ذلك.

لم يسترح الناس لحالة التشوش التى عاشوها فى ذلك الوقت (أواخر السبعينات)، وحاول كل منهم الانفلات بطريقته، فتشبث بعضهم بالماضى وعاشوا عليه، والتفت آخرون إلى الحاضر وركزوا فيه، وكان صناع السلام أسعد بمن التصق بالحاضر الناعم المسالم الذى يدعون إليه، ويوجهون الاتهام إلى من يتشبث بالماضى هروباً من حالة التشوش التى تغلب على الواقع بالوقوع أسرى ما أطلقوا عليه «الحاجز النفسى»، الذى يمنعهم -لأسباب نفسية بحتة- من القبول بفكرة السلام مع إسرائيل.

وكان صاحب هذا المصطلح أستاذ الطب النفسى الشهير الدكتور محمد شعلان، رحمه الله، وقد اعتمد على مفهوم «الحاجز النفسى» كأساس لتفسير رفض العديد من القطاعات الشعبية لفكرة التطبيع مع العدو الإسرائيلى، ولما لم تفلح هذه المحاولة اتجه صناع السلام إلى تعميق لعبة التشويش حتى كادت العديد من مشاهد الحياة فى بر المحروسة -أواخر السبعينات- تتلون بألوان اللخبطة.. ليصبحوا آخر لخبطة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

آخر لخبطة آخر لخبطة



GMT 08:07 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

دمشق وطهران والحرب الجديدة

GMT 08:06 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

«الصراع من أجل سوريا»

GMT 08:05 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

غزة. غزة... بقلم «جي بي تي»!.. بقلم «جي بي تي»!

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

... أن تكون مع لا أحد!

GMT 08:02 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

غول الترمبية والإعلام الأميركي... مرة أخرى

GMT 08:01 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الصراع في سوريا وحول سوريا

GMT 08:00 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

سوريا واللحظة الحرجة!

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ترمب ــ «بريكس»... وعصر القوى المتوسطة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 04:54 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة
  مصر اليوم - الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة

GMT 10:32 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها
  مصر اليوم - ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 23:04 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

رونالدو يحرز الهدف الأول لليوفي في الدقيقة 13 ضد برشلونة

GMT 06:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تونس تتأهل إلى نهائيات "أمم أفريقيا" رغم التعادل مع تنزانيا

GMT 05:53 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

موضة ألوان ديكورات المنازل لخريف وشتاء 2021

GMT 09:41 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حسام حسن يعلن قائمة الاتحاد السكندري لمواجهة أسوان

GMT 03:51 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الدفاع يشهد المرحلة الرئيسية للمناورة ”ردع - 2020”

GMT 04:56 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

فنادق تعكس جمال سيدني الأسترالية اكتشفها بنفسك

GMT 23:44 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين

GMT 11:46 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

جوارديولا يهنئ ليفربول بـ كأس الدوري الإنجليزي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon