توقيت القاهرة المحلي 20:40:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

آخر لخبطة

  مصر اليوم -

آخر لخبطة

بقلم - د. محمود خليل

عن طريق إعلان طريف -فى حينه- عنوانه (ألوان اللخبطة)، دخل رجل الأعمال الحاج «محمود العربى» رحمه الله عالم الشهرة. الإعلان كسّر الدنيا منذ بثه، وأصبحت أغنيته الشهيرة «ألوان اللخبطة بتلخبط لخبطة» تتردد على لسان الأطفال وأحياناً الكبار.

فكرة الإعلان كانت بسيطة، وتركز على قدرة ألوان اللخبطة على قلب الأشياء والكائنات، فتحول القطة إلى كلبة، والكلبة إلى قطة، والأسد إلى فأر، والفأر إلى أسد وهكذا.

شهرة الإعلان لم ترتبط بكفاءته وصناعته الجيدة وفقط، بل ارتبطت بقدرته على التعبير عن التحول الذى بدأ يحدث فى مصر السبعينات، وتحديداً بعد حرب أكتوبر المجيدة، فقد بدأ الناس يشعرون بأن الأشياء تتلخبط على بعضها البعض، الانفتاح تلخبط على الاشتراكية، والحرب على السلام، والدين على الدولة، والفرعونية على القومية وهكذا، بعبارة أخرى صار المشهد العام فى مصر وكأن يداً أمسكت بـ«ألوان اللخبطة».

وأخذت «تدلق» منها على ورقة بصورة فوضوية، فرسمت أشكالاً ذات ألوان متناقضة بصورة تثير السخرية.

حين تتلخبط الأشياء تطيش الرؤية، وتصبح ألوان اللخبطة سبباً فى عمى الألوان، وإضعاف قدرة الإنسان على التمييز بين الأشياء والأشكال، فتتداخل الصور ويطيش النظر.

وليس ثم من هدف لعملية اللخبطة -فى مثل هذه الأحوال- سوى إحداث أكبر قدر من التشوش لدى العقل العام وداخل الوجدان العام، فلا شىء يؤدى إلى التشوش قدر التداخل الفوضوى، والنتيجة التى تترتب عليه فى الأغلب تتحدد فى عدم القدرة على الإمساك بحقيقة، فكل شىء منفلت وينفلت من اليد، كما ينفلت الماء.

وقد عاش المصريون هذه الحالة فى السبعينات (وحقب عديدة أخرى فى تاريخهم).

يكفى أن يتذكر من عاصروا هذه الحقبة حالة اللخبطة ما بين ما اختزنته الذاكرة حول الحرب المقدسة من أجل تحرير الأرض العربية السليبة، والصور الجديدة التى بدأت تتدفق -بعد زيارة السادات لإسرائيل- حول السلام وحلاوة السلام والآيات القرآنية التى تمجد السلام، والأغانى التى تمجد السلام وتحتفى بموقفنا البادئ بالسلام: «بالسلام إحنا بدينا»، وغير ذلك.

لم يسترح الناس لحالة التشوش التى عاشوها فى ذلك الوقت (أواخر السبعينات)، وحاول كل منهم الانفلات بطريقته، فتشبث بعضهم بالماضى وعاشوا عليه، والتفت آخرون إلى الحاضر وركزوا فيه، وكان صناع السلام أسعد بمن التصق بالحاضر الناعم المسالم الذى يدعون إليه، ويوجهون الاتهام إلى من يتشبث بالماضى هروباً من حالة التشوش التى تغلب على الواقع بالوقوع أسرى ما أطلقوا عليه «الحاجز النفسى»، الذى يمنعهم -لأسباب نفسية بحتة- من القبول بفكرة السلام مع إسرائيل.

وكان صاحب هذا المصطلح أستاذ الطب النفسى الشهير الدكتور محمد شعلان، رحمه الله، وقد اعتمد على مفهوم «الحاجز النفسى» كأساس لتفسير رفض العديد من القطاعات الشعبية لفكرة التطبيع مع العدو الإسرائيلى، ولما لم تفلح هذه المحاولة اتجه صناع السلام إلى تعميق لعبة التشويش حتى كادت العديد من مشاهد الحياة فى بر المحروسة -أواخر السبعينات- تتلون بألوان اللخبطة.. ليصبحوا آخر لخبطة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

آخر لخبطة آخر لخبطة



GMT 09:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

زحام إمبراطوريات

GMT 09:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 09:15 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ما بعد وقف إطلاق النار؟

GMT 09:12 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أزمة ليبيا باقية وتتمدد

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ليس نصراً ولا هزيمة إنما دروس للمستقبل

GMT 08:46 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

العلاقات التركية السورية تاريخ معقد

GMT 08:44 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

السينما بين القطط والبشر!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 00:02 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة
  مصر اليوم - انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 11:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 20:30 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

جماعة الحوثي تعلن تنفيذ 3 هجمات على أهداف حيوية في إسرائيل
  مصر اليوم - جماعة الحوثي تعلن تنفيذ 3 هجمات على أهداف حيوية في إسرائيل

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

سوسن بدر تخوض تجربة فنية جديدة
  مصر اليوم - سوسن بدر تخوض تجربة فنية جديدة

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 06:00 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

العلماء الروس يطورون طائرة مسيّرة لمراقبة حرائق الغابات

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 20:12 2024 الخميس ,15 آب / أغسطس

عمر كمال يوجه رسالة مؤثرة لأحمد رفعت

GMT 10:00 2016 الأربعاء ,09 آذار/ مارس

إصبع ذكي يعيد حاسة اللمس للاصابع المبتورة

GMT 23:53 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

مصمم مغربي يطرح تشكيلة راقية من القفطان الربيعي لموسم 2016

GMT 05:09 2015 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

توثيق ازدهار ونهاية مؤسس "داعش" أبو مصعب الزرقاوي

GMT 21:24 2017 السبت ,09 أيلول / سبتمبر

5 مواقف فتحت النار على سهير رمزي بعد خلع الحجاب

GMT 05:22 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

خبيرة موضة تقدم نصائح لارتداء فساتين الصيف خلال الشتاء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon