بقلم - د. محمود خليل
معادلة «من الزيرو إلى الهيرو» واحدة من المعادلات التى تصلح لشرح لعبة «الثراء الافتراضى» التى حدثت فجأة لبعض الأشخاص (البلوجرز والمؤثرين) وجعلتهم محط إعجاب غيرهم، ونموذجاً يحاول البعض احتذاءه من أجل تحقيق اللعبة نفسها. أغلب البلوجرز الذين حصدوا أرباحاً خيالية عن طريق عرض محتوى مرئى على مواقع التواصل الاجتماعى هم أشخاص عاديون، لا يتميزون بقدرات أو شهادات أو مواهب، اللهم إلا موهبة الإثارة والقدرة على اختراق مجالات وموضوعات تشد الناس، ومهارة الحديث بكلام قد يراه كثيرون محدود القيمة، لكن البلوجر بطريقته يستطيع أن يقدمه بأسلوب مشوق وأخاذ يغرى بالمتابعة.
إنها معادلة التحول «من الزيرو إلى الهيرو» التى تبحث فى الكيفية التى تحول بها شخص من الحالة الصفرية فى مجال معين إلى أن يصبح «بابا المجال»، وهى أيضاً تحتمل فهماً آخر يتحول معه أحد الأشخاص المغمورين إلى واحد من مشاهير المجتمع عبر مواقع التواصل الاجتماعى. وأساس اللعبة كلها تقديم محتوى قادر على الجذب والاستقطاب، ويمكن أن تنقسم الآراء حوله بما يُغرى بالمزيد من المتابعة. فهذا بلوجر يظهر هو وزوجته فى فيديوهات تختبر كفاءة «الطبيخ» الذى تقوم به مطاعم معيّنة، يفرشان الأكل أمامهما ويبدآن فى التذوق، وامتداح الأصناف كجزء من الترويج للمطعم وأصحابه. وبلوجر آخر تعلن أن زوجها تزوج صديقتها عليها، ويتم إنتاج محتوى حول الموضوع تنقسم الآراء حوله، وهذه حماة تعطى نصائح أو تحكى عن تجاربها مع زوجة الابن وهكذا.
طبعاً هذه القدرة على تحقيق الأرباح أغرت البعض بأن يحذو حذو البلوجرز والمؤثرين، وبات بعض الشباب يبحثون عن مساحة شبيهة يستطيعون من خلالها تقديم محتوى قادر على الجذب، وأصبح حلم البعض منهم إبداع فكرة معينة يمكن أن تُمثّل أساساً لمشروع يجلب لهم ملايين الدولارات، مُستلهمين فى ذلك تجارب بعض الناجحين فى مجال ريادة الأعمال، وإنتاج تطبيقات كمبيوترية قادرة على حصد الأرباح، ومسترجعين فى الوقت نفسه تجارب الكبار من رجال الأعمال فى مجال الهاى تك، الذين يحصدون سنوياً مليارات الدولارات، مثل بيل جيتس ومارك زوكربرج وغيرهما، ويستشهدون بأن رجال الأعمال الذين يعملون فى مجال تكنولوجيا المعلومات تمكنوا من حصد مكاسب لم يسبقهم إليها أحد من رجال الأعمال.
المكاسب الفلكية التى تحقّقت لدى عدد محدود ممن فهموا معادلة «المال الافتراضى» وعرفوا كيف يجمعون المال عبر هذه الوسائل الجديدة ولّدت لدى البعض إحساساً بالسّعار، وجعلتهم يُبرّرون الحصول على المال الكثير بأقل مجهود ممكن، بعيداً عن أى قيم أو معايير أو منظومات أخلاقية، وبذلك تسبّب الانفتاح التكنولوجى فى ضرب أول معول فى حائط الأخلاق، فأدّى إلى حالة سُعار غير مسبوقة من جانب البعض على جنى المكاسب والعيش فى مستوى لا يتناسب مع إمكانياتهم ودخلهم، وكانت النتيجة تلك الأحاديث عن «الناس اللى اتسعرت أو تثعبنت».