توقيت القاهرة المحلي 06:19:58 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الإنفاق وكرامة الإنسان

  مصر اليوم -

الإنفاق وكرامة الإنسان

بقلم - محمود خليل

عندما ينوب الإنسان غيره فى شأن معين، فإن الواجب عليه أن يلتزم بتوجيهات من أنابه فى إدارة هذا الشأن. وثمة إشارة واضحة فى القرآن الكريم إلى أن الله تعالى أناب الإنسان فى التصرف فى المال الذى يرزقه به، لأنه سبحانه وتعالى هو مصدره.. يقول تعالى: «وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ». العجيب أن بعض المفسرين يذهبون إلى أن المقصود بالاستخلاف هنا هو الوراثة، أى المال الموروث عن الغير، وكأن المال هو ما يقع فى يد الفرد عن طريق غيره، أما ما يجتهد فيه بنفسه ويربحه فلا يحسب فى سياق الاستخلاف.

الحقيقة أن معنى الاستخلاف هنا مختلف، وهو يرتبط بفكرة يؤكدها الإسلام باستمرار تذهب إلى أن المال مال الله، وأن الإنسان مستخلف من الله فيه، مثله فى ذلك مثل كل معطيات الحياة التى استخلف الله الإنسان فيها.. يقول الله تعالى: «هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرضِ وَاستَعمَرَكُم فِیهَا».. ويقول: «وَهُوَ الَّذِى جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِى مَا آتاكُمْ».

والإنسان مأمور بأن ينفق مما آتاه الله، وما ينفقه هو ما يبقى له، ذلك هو مفهوم الباقيات الصالحات: «وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً».. فالإنسان لا يأخذ ماله معه وهو راحل عن الحياة، بل يصحب الباقيات الصالحات، أى الأعمال الصالحة التى قام بها، وعلى رأسها الإنفاق.

ولا بد أن يراعى الإنسان وهو ينفق كرامة من يعطيه، فيصونها ويحفظها له.. وأول شروط حفظ كرامة من يأخذ أن يعطيه المنفق مما يحب: «لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَىْءٍ فَإِنَّ اللَّهِ بِهِ عَلِيم».. توجه الإنسان إلى الإنفاق مما يحب يعنى ببساطة الإيثار، وقد ضرب الله مثلاً لذلك بما فعلته فاطمة وعلى بن أبى طالب، رضى الله عنهما، حين بذلا الطعام على حبه لمسكين ويتيم وأسير: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً».

الشرط الثانى الذى يجب مراعاته ألا يتجه الإنسان إلى الإنفاق من الأشياء السيئة التى يريد التخلُّص منها أو التى لا يطيق استخدامها، وهو ما وصفه القرآن بالخبيث من الأشياء، وذلك فى قوله تعالى: «وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ».. فما لا تقبل أخذه عليك ألا تعطيه، والمؤمن الحقيقى لا يعطى ما يكره.

الشرط الثالث عدم اتباع الإنفاق بالمن والأذى.. فحفظ كرامة الإنسان فى الإسلام قيمة مقدمة على ما عداها، ولا يليق أن يعطى الإنسان غيره ثم يؤذيه بالقول أو بالفعل.. يقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِى يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ».. فمن يمن أو يؤذى بما تصدق به لا يختلف عن الذى ينفق ماله نفاقاً ورئاء، ذلك الذى يزعم أنه ينفق لوجه الله، فى حين أنه فى الحقيقة يرجو مديح الناس له.

ومسألة الكرامة لا تتعلق فقط بمن يعطى، بل لا بد أن يحرص على الآخذ أيضاً على كرامته ويصونها ويدافع عنها، مهما اشتدت حاجته.. يقول الله تعالى: «لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِى الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ».

ذلك هو معنى الإنفاق الذى يحمى كرامة الإنسان كما قرره القرآن الكريم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإنفاق وكرامة الإنسان الإنفاق وكرامة الإنسان



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 11:22 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 09:15 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

أهم 3 نصائح لاختيار العباية في فصل الشتاء

GMT 02:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"الزراعة" تؤكد البلاد على وشك الاكتفاء الذاتي من الدواجن

GMT 13:41 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

فيديو جديد لـ"طفل المرور" يسخر من رجل شرطة آخر

GMT 02:57 2020 الإثنين ,06 إبريل / نيسان

رامى جمال يوجه رسالة لـ 2020

GMT 02:40 2020 السبت ,22 شباط / فبراير

المغني المصري رامي جمال يحرج زوجته على الملأ
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon