توقيت القاهرة المحلي 09:51:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الإنفاق وكرامة الإنسان

  مصر اليوم -

الإنفاق وكرامة الإنسان

بقلم - محمود خليل

عندما ينوب الإنسان غيره فى شأن معين، فإن الواجب عليه أن يلتزم بتوجيهات من أنابه فى إدارة هذا الشأن. وثمة إشارة واضحة فى القرآن الكريم إلى أن الله تعالى أناب الإنسان فى التصرف فى المال الذى يرزقه به، لأنه سبحانه وتعالى هو مصدره.. يقول تعالى: «وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ». العجيب أن بعض المفسرين يذهبون إلى أن المقصود بالاستخلاف هنا هو الوراثة، أى المال الموروث عن الغير، وكأن المال هو ما يقع فى يد الفرد عن طريق غيره، أما ما يجتهد فيه بنفسه ويربحه فلا يحسب فى سياق الاستخلاف.

الحقيقة أن معنى الاستخلاف هنا مختلف، وهو يرتبط بفكرة يؤكدها الإسلام باستمرار تذهب إلى أن المال مال الله، وأن الإنسان مستخلف من الله فيه، مثله فى ذلك مثل كل معطيات الحياة التى استخلف الله الإنسان فيها.. يقول الله تعالى: «هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرضِ وَاستَعمَرَكُم فِیهَا».. ويقول: «وَهُوَ الَّذِى جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِى مَا آتاكُمْ».

والإنسان مأمور بأن ينفق مما آتاه الله، وما ينفقه هو ما يبقى له، ذلك هو مفهوم الباقيات الصالحات: «وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً».. فالإنسان لا يأخذ ماله معه وهو راحل عن الحياة، بل يصحب الباقيات الصالحات، أى الأعمال الصالحة التى قام بها، وعلى رأسها الإنفاق.

ولا بد أن يراعى الإنسان وهو ينفق كرامة من يعطيه، فيصونها ويحفظها له.. وأول شروط حفظ كرامة من يأخذ أن يعطيه المنفق مما يحب: «لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَىْءٍ فَإِنَّ اللَّهِ بِهِ عَلِيم».. توجه الإنسان إلى الإنفاق مما يحب يعنى ببساطة الإيثار، وقد ضرب الله مثلاً لذلك بما فعلته فاطمة وعلى بن أبى طالب، رضى الله عنهما، حين بذلا الطعام على حبه لمسكين ويتيم وأسير: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً».

الشرط الثانى الذى يجب مراعاته ألا يتجه الإنسان إلى الإنفاق من الأشياء السيئة التى يريد التخلُّص منها أو التى لا يطيق استخدامها، وهو ما وصفه القرآن بالخبيث من الأشياء، وذلك فى قوله تعالى: «وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ».. فما لا تقبل أخذه عليك ألا تعطيه، والمؤمن الحقيقى لا يعطى ما يكره.

الشرط الثالث عدم اتباع الإنفاق بالمن والأذى.. فحفظ كرامة الإنسان فى الإسلام قيمة مقدمة على ما عداها، ولا يليق أن يعطى الإنسان غيره ثم يؤذيه بالقول أو بالفعل.. يقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِى يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ».. فمن يمن أو يؤذى بما تصدق به لا يختلف عن الذى ينفق ماله نفاقاً ورئاء، ذلك الذى يزعم أنه ينفق لوجه الله، فى حين أنه فى الحقيقة يرجو مديح الناس له.

ومسألة الكرامة لا تتعلق فقط بمن يعطى، بل لا بد أن يحرص على الآخذ أيضاً على كرامته ويصونها ويدافع عنها، مهما اشتدت حاجته.. يقول الله تعالى: «لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِى الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ».

ذلك هو معنى الإنفاق الذى يحمى كرامة الإنسان كما قرره القرآن الكريم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإنفاق وكرامة الإنسان الإنفاق وكرامة الإنسان



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon