توقيت القاهرة المحلي 16:08:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لخبطة «ما بعد الحقيقة»

  مصر اليوم -

لخبطة «ما بعد الحقيقة»

بقلم - د. محمود خليل

المسيطرون على الواقع هم أكثر الناس استفادة من حالة اللخبطة التى يقع فيها المجموع، سواء أكانوا مسيطرين عالميين أم محليين، فالسيولة التى يخلقها التشوش عادة ما تكون أفيد فى السيطرة على الناس، وهى تُعجز العقلاء عن تصحيح أوضاع الفكر السائد، والاقتراب به من مربع التماسك أو الخطوط الواضحة، السيولة هى أساس اللخبطة، وجوهر اللخبطة الجهل بالأشياء.

قال الإمام الشافعى رحمة الله: «ما جادلت عالماً إلا وغلبته، وما جادلت جاهلاً إلا وغلبنى». فالعالم له عقل محكوم بمنهج يسهل لمن يعلم أن يلج إليه ويدخل إلى عالمه ويلزمه الحجة ويقنعه، أما الجاهل فعقل مشوش تأتيه يميناً يأتيك شمالاً، تأتيه من الشمال يروغ إلى اليمين وهكذا.العالم المعاصر يفضل المشوشين على من عداهم، فهم وحدهم الزبائن المخلصون لعصر ما بعد الحقيقة، أو عصر الهوى والغرض، وتغليب العواطف، وعدم التردد فى الاعتماد على الأكاذيب، إنه ببساطة العصر الذى لا يعبأ بالحقائق، إلا إذا كانت تعمل لصالح المسيطرين، وفيما عدا ذلك فإنه يلجأ إلى كل ما يعاكس الحقيقة من أجل السيطرة على خلق الله.

عالم ما بعد الحقيقة هو عالم «اللخبطة» بامتياز، ويعتمد كهنته على أداتين أساسيتين فى تشويش العقول المستهدفة، الأولى هى الصدمة، والثانية الكذب.يصف الأفراد الشخص فاقد القدرة على التفكير أو التمييز بين الأشياء بأنه «مخبوط على دماغه». فالطرق العنيف على العقل، وهز الوجدان بعنف، يتسببان فى اختلال توازن الفرد، وذلك ما تفعله الصدمات بالبشر فى كل زمان ومكان سواء كانت صدمات نفسية أو عقلية أو مادية أو صدمات تترتب على كوارث طبيعية.

فالصدمات قد تكون طبيعية أو مصنوعة، وفى الحالتين تترك الأثر نفسه على الشخص، إذ تشل عقله عن التفكير وتربك وجدانه، بصورة تهيئه لقبول ما لم يكن يتصور أن يقبله -عقلاً أو وجداناً- قبل الصدمة.

لعب المسيطرون عالمياً هذه اللعبة فى العديد من الأماكن التى استهدفوا السيطرة على أهلها أو مقدراتها، وأفلحوا فى ذلك.الكذب هو الوسيلة الثانية للسيطرة فى عصر ما بعد الحقيقة، فكل شىء قابل للتزييف فى هذا العصر، وأشد الحقائق رسوخاً يمكن أن يتم هزها بطرق شديدة البساطة، عبر الشائعات أو نثر الأكاذيب على مواقع التواصل الاجتماعى، وتكرار الكذبة -كما تعلم- يمنحها قوة أكبر فى مواجهة الحقيقة، ليتم قبولها وترويجها والدفاع عنها.

ليس ذلك وفقط بل هناك أيضاً الدق على وتر العواطف، فالتأثير العاطفى على المجموع يعد هدفاً أساسياً للمسيطرين فى عصر ما بعد الحقيقة، فالعاطفة تحرك الإنسان أكثر مما يحركه العقل، بل إنها أحياناً ما تؤدى إلى تعطيل العقل عن التفكير.حين يغيب الحق والحقيقة لا بد وأن ينتعش الضلال، والله تعالى يقول فى كتابه الكريم: «فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ»، وحين تتوارى الحقائق إلى الظل يصبح نشر الأكاذيب والأضاليل صناعة تجلب الرزق للبعض، والله تعالى يقول: «وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ».. والعجيب أن تجد أن من يشتكون من أثر الضلالات والأكاذيب هم من يروجونها!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لخبطة «ما بعد الحقيقة» لخبطة «ما بعد الحقيقة»



GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 08:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon