توقيت القاهرة المحلي 12:48:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحماية.. والإهدار

  مصر اليوم -

الحماية والإهدار

بقلم - د. محمود خليل

ليس هناك شىء يخرب الوجدان مثل الخوف. الخوف يقتل الإحساس ويبلده، ويحرض على الاستسلام والتنازل عن الكرامة، إنه يجعل صاحبه كائناً عاجزاً فاقد الإنسانية. الخائف فى حالة سكون دائم، وإذا حدثت المعجزة وتحرك فى لحظة، فإن تحركه يكون مدمراً.

خوف المصريين تاريخى، وإن لم يجدوا ما يخيفهم اخترعوا مصادر وهمية للخوف، ورسخوها فى نفوسهم حتى تتحول إلى حقيقة. زمان -وقبل دخول الكهرباء- كان الكثيرون يخافون الظلام، ويعتبرونه مسرحاً خصباً لظهور العفاريت. بإمكانك أن تراجع مذكرات العديد من الأدباء والمفكرين، الذين تعاصرت رحلتهم فى الحياة مع أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وسوف تجد أن أغلبهم يحكون عن العفاريت التى تظهر فى الظلام فتعبث بالبشر، ولا تختفى إلا مع أذان الفجر. تجد ذلك على سبيل المثال فى «أيام» الدكتور طه حسين. زمان أيضاً كانت الأمهات يربين الأطفال على الخوف من كائنات وهمية لا توجد إلا فى خيالهم، ويرسخنها فى مخيلة الأطفال، مثل «أبو زبعبع» و«أمنا الغولة» وغير ذلك.

كان لسان حال المصريين ينطق بالخوف المصنوع تحت جنح الظلام أو على أجنحة الوهم، وهو ما عبَّر عنه المبدع الراحل «صلاح جاهين» فى رباعيته الشهيرة: «سهّير ليالى وياما لفيت وشفت.. وفى ليلة راجع فى الظلام قمت شفت.. الخوف كأنه كلب سد الطريق.. وكنت عاوز أقتله بس خفت».

شدّ المحتل الإنجليزى خيط الخوف ومدده داخل نفوس المصريين، عبر تهديد كل من يعترض على وجوده بالقهر والتشريد والحرمان، وصنع آلة تبث الخوف الممنهج لدى الناس، اعتمد فيها على مجموعة من الأسماء التى ما كانت تُذكر أمام أحد، إلا ويسقط قلبه فى قدميه، ويعتريه الخوف ويصده عن الفعل. ودعّم الاحتلال ذلك من خلال التفرقة بين المصريين «الخائفين» والأجانب الذين يعيشون فى مصر «تحت الحماية». فالأجانب يحميهم الإنجليز ولهم قوانينهم الخاصة، أما المواطن فالويل كل الويل له إذا تواجه مع شخص «حماية»، فقد كان يعلم أن المحتل سيسحقه سحقاً، لأنه تعدى على من يستظل بحمايته، ولن يأخذ حقاً ولا باطلاً، وعليه فى مواجهة «الشخص الحماية» أن يقبل الإهدار.

ومقابل الخوف قدّم المحتل العديد من الإغراءات لمن يتعاون معه، فوعده بالحماية، حتى ولو كان مواطناً مصرياً، وكان بعض المصريين يستقوون على غيرهم، ويهددونهم بعلاقتهم بالإنجليز، وكان المحتل لا يتأخر عن خدمتهم إذا احتاجوا، حتى يثبت أن من معه «حماية» حتى ولو كان مواطناً محلياً.

زرع المحتل الإنجليزى الخوف فى نفوس قطاع لا بأس به من المصريين، وبهذه الزرعة استطاع أن يستمر فى السيطرة على البلاد ما يزيد على 70 سنة، ولم يخرج إلا بعد أن خلع قطاع من الناس ثوب الخوف عنهم، وألقوا به جانباً، واتجهوا إلى مواجهة المحتل بشجاعة وبسالة، يغذيها الإيمان بحقهم فى الحرية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحماية والإهدار الحماية والإهدار



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon