توقيت القاهرة المحلي 12:57:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المخادعون

  مصر اليوم -

المخادعون

بقلم - د. محمود خليل

مجتمعنا من المجتمعات المشهورة بالتدين، أو هكذا يوصف.. الوصف يبدو فى محله إذا نظرنا إلى الدين من زاوية العبادات، لكن الأمر يختلف إذا أخذنا الدين من زاوية المعاملات، ويفسر لك ذلك ما يراه الكثيرون تناقضاً بين التدين السائد لدى المصريين من ناحية والحالة الأخلاقية المتراجعة لدى بعضهم من ناحية أخرى.

ويتعجبون كيف وحال التدين هكذا أن يكون حال الأخلاق كذلك؟سبب التناقض إذن واضح، لأن التدين لدى أغلب الناس عباداتى أكثر منه «معاملاتى»، فالعبادات تمثل خياراً سهلاً ومظهرياً لإثبات الإيمان، من وجهة نظر البعض.

ويجهل هذا البعض أن العبادات شُرعت فى الإسلام من أجل الارتقاء بالأخلاقيات والسلوك الفردى، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغى، والزكاة تطهر مال الفرد وتعلمه العطف على الفقير والمسكين وابن السبيل، والصوم والحج يزودان صاحبهما بالتقوى وهكذا.. العبادات جوهر من جواهر الدين، ولا بد للمؤمن أن يلتزم بها، على أن يمارسها بعمق إيمانى، يجعل لها أثراً فى أخلاقياته وسلوكياته.

ولا يتعطل أثر العبادات على السلوكيات والأخلاقيات، إلا لدى من يسلكون مسالك التدين المظهرى.ولعلك تتفق معى على أن سيطرة التدين المظهرى أو اللسانى على المجتمع يعطيك مؤشراً مخادعاً حين تبدأ فى البحث عن حالته الأخلاقية، فالشكل العام يؤشر إلى أنها بخير، لكن التعمق فى تحليل سلوكيات الناس سوف يؤكد لك أنها بعافية، وأن الناس تقول بلسانها ما لا يظهر فى سلوكياتها، وأنها تتخذ من الدين وسيلة للمداراة والنفاق والخداع وأكل الحقوق والجور والظلم.

حال الأخلاق داخل المجتمعات المتدينة بصورة مظهرية قد يكون أشد بؤساً من الحالة الأخلاقية للمجتمعات الوثنية.

ولو أنك استرجعت معلوماتك عن حال المجتمع الوثنى فى مكة أيام بعثة النبى صلى الله عليه وسلم فستجد أن المنظومة الأخلاقية السائدة بين أفراده اشتملت على بعض الأخلاقيات الإيجابية التى انتصر لها الرسول، مثل نصرة المظلوم وإكرام الضيف وغير ذلك من قيم وأخلاقيات تم تدوينها فى حلف الفضول، وكان هناك فى المقابل أخلاقيات رديئة سلبية.. ولو أنك توقفت عند خلق ردىء مثل الكذب فستجد أن المجتمع المكى الوثنى كان يراه من أمقت الأخلاقيات.. وقد رد أبوسفيان بن حرب على النبى، حين طلب منه صلى الله عليه وسلم أن يبايعه على «عدم الكذب»، بقوله: «أوَيكذب الرجل؟».. فالرجل فى المجتمع الوثنى لا يكذب، والحرة لا تزنى.. وهكذا.

إذن المجتمعات التى يسودها التدين المظهرى أسوأ حالاً من غيرها، إذا نظرنا إلى خرائط الأخلاق فيها، لأن العبادات وطقوس التدين تستخدم عكس ما أراد الله تعالى لها، فبدلاً من أن تكون رافعة للأخلاق وأداة للسمو بها، تصبح وسيلة للتستر على الأخلاق الرديئة.

فصاحب التدين المظهرى هو شخص يظن أن بمقدوره خداع السماء ونفاق أهل الأرض: «إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم».. ولا يوجد أبشع فى دنيا الأخلاق من أن يتصور إنسان أن بمقدوره خداع الحكيم العليم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المخادعون المخادعون



GMT 20:35 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

48 ساعة كرة قدم فى القاهرة

GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

أحلام تتألق بإطلالة لامعة فخمة في عيد ميلادها

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 01:43 2022 الثلاثاء ,14 حزيران / يونيو

ياسمين صبري تزداد أناقة بإطلالات فخمة وراقية

GMT 21:09 2021 الجمعة ,23 إبريل / نيسان

"وحيد القرن" أصغر ثقب أسود قريب من الأرض

GMT 19:35 2021 الثلاثاء ,23 آذار/ مارس

بورصة بيروت تغلق التعاملات على ارتفاع

GMT 05:47 2021 الخميس ,28 كانون الثاني / يناير

تعرف على رسالة ياسر فرج الأخيرة لزوجته قبل وفاتها

GMT 15:13 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أتلتيكو مدريد يصنع التاريخ بالأرقام في الدوري الإسباني

GMT 21:10 2020 الأحد ,27 كانون الأول / ديسمبر

بايرن ميونخ أفضل فريق في 2020 ضمن جوائز "غلوب سوكر"

GMT 13:03 2020 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

طبيب يكشف عن والد طفل عروس بنها في حال حملها

GMT 03:22 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

ريم سامي تتألق في مهرجان الجونة السينمائي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon