توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الروح حين تضيء

  مصر اليوم -

الروح حين تضيء

بقلم - د. محمود خليل

معادلة لافتة تحملها الآية الكريمة التى تقول: «اللَّهُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ»، معادلة تقول إن «القوة تخرج من رحم الضعف.. والضعف يخرج من رحم القوة».

فالضعيف يصح أن يصبح قوياً، والقوى قد يتحول إلى ضعيف. ولو أنك لاحظت الآية الكريمة جيداً فستجد أن كلمة ضعف جاءت 3 مرات، فى حين جاءت كلمة القوة مرتين، وكأن الله تعالى أراد أن يقول إن الأصل فى الحياة هو «الضعف»، وإن «القوة» حالة طارئة. فالمادة التى خلق الله تعالى الإنسان منها هى الضعف، وبالتالى فأصل هذا المخلوق البشرى من ضعف، ومهما طال حجم أو زمن القوة به فلا بد أن يؤول إلى الضعف. وصدق الله العظيم إذ يقول: «وخُلقَ الإنسانُ ضعيفاً».

رحلة الإنسان فى الحياة بدأت من ضعف (تراب وماء)، وحين خالطت روح الله المخلوق الذى سوَّاه الله من طين، اكتسب القوة والقدرة على التطور، فسار من الضعف إلى القوة، والقوة هنا هى قوة الجسد، لأن الضعف الذى يليها جوهره شيخوخة الجسد وما يعترى الإنسان خلاله من وهن: «قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّى وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِياً»، أما الروح فتقوى حين يضعف الجسد، وتضعف حين يقوى.

وقد وصف القرآن مشهد غطرسة القوة التى يعيشها الشاب قوى الجسم ضعيف الروح، فى مواجهة الكبار واهنى الجسد أقوياء الروح، وذلك فى الآية الكريمة التى تقول: «وَالَّذِى قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِى أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِى وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ». فالشاب المعافى المتعافى تغره قوته، ويمنحه شبابه إحساساً وهمياً بالبعد عن الموت، فينكر وجود الخالق العظيم، ويرفض الإيمان بالبعث والحساب. وفى مواجهته يقف الأب والأم الواهنان جسداً والأقوياء روحاً، تستغيث كل ذرة فى كيانهما بالله، ويحذران الشاب الواهم من الكفر والويلات التى يمكن أن تترب عليه، فيرد بلسان غروره: «إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ».

وفى سورة «لقمان» تجد مشهداً يجلس فيه الأب، الفانى جسداً المضىء عقلاً وروحاً، وأمامه ابنه القوى جسداً الضعيف عقلاً وروحاً يستمع إلى نصائحه حول أسس الحياة السليمة. وفى هذا الحوار تجد حضوراً جوهرياً لخمس أفكار، الأولى فكرة الوحدانية: «يَا بُنىَّ لا تُشركْ بالله».. والثانية فكرة طاعة الوالدين «وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ».. والثالثة فكرة قدرة الله: «يَا بُنَىَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ».. والرابعة فكرة الصلاة والأمر بالمعروف والنهى عنه المنكر: «يَا بُنَىَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ».. والخامسة فكرة التواضع والاعتدال فى العلاقة بالناس «وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ».

هذه الأفكار تقدم لك 5 مؤشرات على إضاءة الروح وخفوت الجسد، فميل الإنسان نحو التسليم بوحدانية الله، وأنه وحده الذى يملك له النفع والضر والموت والحياة والنشور يزيد مع التقدم فى العمر، كما يدرك الكبير قيمة طاعة الوالدين أكثر من صغير السن، والإيمان بقدرة الله تزداد مع العمر، حين يضعف الإنسان ويعلم أنه لا قوة إلا بالله، ويتوازى مع ذلك اتجاهه إلى الصبر والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والاعتدال مع الناس والقصد فى الأشياء.. كذلك تفعل الروح بالإنسان حين تضىء.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الروح حين تضيء الروح حين تضيء



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon