بقلم - د. محمود خليل
عاش الجيل X «إكس» -من مواليد الستينات- طفولة تألقت فيها أسماء كبرى لزعماء محليين إقليميين وعالميين.. على المستوى المحلى كان الزعيم عبدالناصر والزعيم السادات، وعلى الساحة الإقليمية برزت أسماء زعامات عديدة، مثل الملك فيصل وبومدين وغيرهما، وعلى مستوى العالم كان هناك كينيدى ونيكسون وخروتشوف وبريجنيف ونهرو وتيتو.
سياق الستينات والسبعينات كان يساعد بصورة أو بأخرى على صناعة زعماء، فالحرب الباردة بين الكتلتين الشرقية والغربية وما اقترن بهما من استقطابات ساعد على خلق ولاءات مختلفة داخل المنطقة التى نعيش فيها، وأوجد أيضاً حركات عالمية تحلّق من حولها زعماء، مثل حركة عدم الانحياز. السياق الذى يزدحم بالتحديات الكبرى هو وحده القادر على إنتاج زعماء.. والإنسان فى النهاية «ابن سياقه».
مواليد الستينات عاشوا فى ظل زخم كلامى كبير.. فواحدة من المهارات التى يتوجب توافرها فى الزعيم تتمثل فى مهارة الخطابة، والقدرة على إفراز الكلام المؤثر فى الجماهير، بالإضافة إلى القدرات التمثيلية أثناء الكلام (بالمعنى الإيجابى بالطبع لكلمة تمثيل). جمال عبدالناصر كان خطيباً مفوهاً ماهراً، وأنور السادات كان خطيباً متميزاً من مدرسة مختلفة لها قدرتها أيضاً على التأثير.. وهى المهارة التى تحققت أيضاً لدى العديد من الزعماء المحليين والدوليين.
الكلام المؤثر كان سمة مميزة لهذين العقدين، ولا يظهر ذلك على مستوى الزعماء وفقط، بل كان سياقاً كاملاً متكاملاً، فكتّاب الشعر والقصة والأغانى كانوا متميزين، بصورة غير مسبوقة ولا ملحوقة، فى إنتاج الكلمات المؤثرة، إلى حد دفع البعض إلى وصف هذا العصر بأنه كان عصراً من الغناء. أجمل الأغانى الوطنية والدينية والعاطفية سمعناها خلال هذه الحقبة. أجمل الحوارات، داخل الأفلام الكوميدية والاجتماعية والعاطفية والإنسانية، غذت الوجدان المحلى والعربى خلال هذه الفترة أيضاً.
زخم الكلام كان يدمغ العديد من جوانب حياة الجيل X ويؤثر فيه، لذا فإن من تبقى من أفراد هذا الجيل هم الأقدر على الحديث الطلق باللغة العربية حالياً، لأن من يسمع جيداً لا بد أن يقول جيداً، ومن يقرأ جيداً يكتب جيداً. وما زالت اللغة الجيدة تؤثر فى هذا الجيل وتهزه حتى الآن.
وقد قلت لك إنه مكتوب على هذا الجيل أن ينتهى من حيث بدأ، فما زال هذا الجيل الأكثر تأثراً باللغة، والأشد دفاعاً عنها. كذلك بدأ تجربته فى الحياة متحدياً للفرنجة، ومحتفياً بلغته القومية، وانتهى به الحال ضد تحولات يتجه إليها الجيل الجديد عبر أدوات العالم الافتراضى، إذ يلجأ إلى توظيف لغة خليط ما بين العربية والإنجليزية، تُكتب فيها الكلمات العربية بالحروف اللاتينية، تلك الآفة التى تربى مواليد الستينات على أنها تمثل جريمة حاول الاستعمار الإنجليزى ارتكابها فى حق اللغة العربية، لكن الحركة الوطنية المصرية قاومتها بكل ما أوتيت من قوة.
يحاول الجيل X الدفاع عن عصره الذى مضى ولغته الواقعية ضد عصر آتٍ يعتمد لغة لا تقيم قداسة لشكل أو مضمون، إنها تقدس فقط رغبتها فى التواصل خارج العالم الواقعى.