توقيت القاهرة المحلي 01:32:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

القرية الظالمة

  مصر اليوم -

القرية الظالمة

بقلم - د. محمود خليل

للظلم فى القرآن الكريم معنيان: الأول هو ظلم الإنسان لنفسه: «قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا»، والثانى ظلم الإنسان لغيره: «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا».

والقرية الظالمة ببساطة هى القرية الخربة، فالظلم يؤدى إلى خراب الحياة، ولعلك تذكر مقولة «ابن خلدون»: العدل أساس العمران.

فى البدء كانت كل القرى آمنة مطمئنة، لكن تغيّرات طرأت على أوضاعها فحولتها من حال الاطمئنان إلى حال الظلم والظلامية، ورحلة التحول تبدأ دائماً بالتعتيم وتنتهى بالتدمير.

ولعلك تعرف أن كلمة «الكفر» معناها الستر «فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ».

فالقرية التى كانت مستقرة وتنعم بالرزق الرغيد لم تُحسن استعمال أو استثمار ما حباها الله، ولم تعطِ منه لغيرها، شكراً لنعمة الله عليها، بعبارة أخرى لجأت إلى التستر والإنكار أو التعتيم على أسباب اطمئنانها ومصادر عزّها وجاهها، وسادها الكذب وباتت الحقيقة فيها عملة نادرة، فتبدّلت أحوالها.

تحول العيش الرغيد إلى شظف وحرمان، وبات لأتفه الأشياء قيمة وسعراً، وتعقّدت سُبل الحياة، واستحال الاطمئنان المستقر إلى خوف، ولا يقتل المجتمعات شىء مثلما يقتلها الخوف، الخوف على الحاضر، والخوف من المستقبل، ولا يوجد ما هو أقدر على هدّ حياة الإنسان من الحرمان.

وقد رسم الله تعالى فى القرآن الكريم خريطة التجمّعات البشرية داخل القرى الظالمة، وهم يتوزّعون فى العادة على ثلاثة أطياف، الطيف الأول: طيف الظالمين، والثانى: طيف المستضعفين، والثالث: طيف النخبة القادرة على التغيير.

يقول الله تعالى: «وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا».

فأصل الظلم هو ابتلاع حقوق الآخرين، وهو يرتبط بفئة لا ترى غضاضة فى أن تنهب حقوق غيرها، وتبتلع ما ليس لها بحق، وتبخس الناس أشياءها، مستعينة فى ذلك بما تملكه من أدوات قوة وسيطرة على الواقع، وهى توجّه ظلمها إلى المستضعفين، الذين يشكلون الأغلبية داخل المجتمعات المختلفة، إنهم طوابير طويلة عريضة من الرجال والنساء والأطفال العاجزين عن الدفاع عن أنفسهم، أو حماية حقوقهم التى تُسلب منهم أمام أعينهم، دون أن يغيثهم أحد من أفراد الطيف الثالث، الذى يجمع الأفراد القادرين على المواجهة وإعادة الأمور إلى نصابها، وجوهر عملها يرتبط بكشف الحقيقة وتعرية أحوال الكذب التى يعيشها أهل القرية الظالمة.

لا يصل أى تجمع بشرى إلى هذه الحالة إلا بعد مقدّمات وتراكمات لا بد أن تفضى بالضرورة إلى هذه النتيجة. المقدمات تزرعها فى الأرض أيدى الناس بالكذب، والتستر، والشّح، والنمردة، والتعالى، والتجبّر، وغيرها من سمات يصح أن تجتمع كلها تحت عنوان «الفساد»، فتكون النتيجة جوع وخوف.

يقول الله تعالى: «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِى عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القرية الظالمة القرية الظالمة



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب

GMT 11:48 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

هاشتاج أمينة خليل يشعل مواقع التواصل الاجتماعي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon