توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رحلة «العبد الشكور»

  مصر اليوم -

رحلة «العبد الشكور»

بقلم - د. محمود خليل

تجربة شديدة الثراء تقدمها لنا قصة نبى الله نوح، عليه والسلام، تجربة عامرة بالمعانى والدلالات حول هذا الإنسان الذى عاش، كما لم يعش غيره من البشر، فمكث على وجه الأرض ما يقرب من 10 قرون، وتقلبت عليه عدة أجيال من البشر، وانقسم عليه أهله ما بين مؤمن به وناكر لدعوته، وكان من الناكرين له ابنه الذى خرج من صلبه، وجعله قومه أضحوكة، حين لجأ إلى صناعة سفينة النجاة، كما ارتبط بتجربته حدث فريد فى تاريخ البشرية وهو حدث الطوفان الذى أغرق الأرض بما عليها ومن عليها، لتبدأ صفحة جديدة فى تاريخ الإنسانية.شخصية كانت حياتها بهذا الثراء لا بد أن يكون لها مفتاحها الخاص، وقد كان مفتاح شخصية نبى الله «نوح» هو شكر الله: «ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا».

كان نوح عبداً شكوراً. والشكر -كما تعلم- يعنى ظهور أثر نعم الله على عبده. أعطى الله تعالى نوحاً نعمة العمر فاستثمره فى الدفاع عن الوحدانية والحياة الصالحة المستقيمة، التى لا يخضع فيها إنسان لإنسان مثله، ولا يعبد فيها بشراً صنماً صنعه بيديه. أعطاه الولد فرباه على الإيمان، ولما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه، أخلص لقومه وحاول إصلاحهم وصبر وتحمل فى سبيل ذلك الكثير.

لم يكن شكر «نوح» لربه مجرد كلمات يرددها بلسانه، يحمد ربه فيها على نعمه، بل كانت عملاً وإصلاحاً للواقع الذى يعيش فيه، فالشكر عمل وليس مجرد قول: «اعملوا آل داود شكراً». والشكر صبر «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ». وقد تحمل «نوح» من قومه ما لا يتحمله بشر، ورغم ذلك صبر عليهم، كان يلتقط الوليد وهو غض طرى، ويعلمه الوحدانية والإيمان بالله الواحد الأحد، وما إن يكبر ويشب عن الطوق حتى يكفر بخالقه، ويغرق مع قومه فى عبادة الأصنام، ورغم ذلك واصل نوح الدعوة إلى ما يؤمن به فى دأب وأمل، ولم يتوقف إلا عندما جاءه إعلان من الله بالتوقف: «وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ».عاش «نوح» عبداً شكوراً وسط مجتمع وثنى تتعيش أجياله على الكفر بالله. وقد جعل الله تعالى الكفر نقيض الشكر فى القرآن الكريم. تجد ذلك فى قوله تعالى: «إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا»، وقوله: «فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ».

كان شكر «نوح» لربه علامة إيمانه، وشكر الله هنا تجسد فى تحرير الإنسان من الفكر الوثنى وما يجره على الحياة من ويلات، فالوثنية مفتاح لشرَّين كبيرين يضربان المجتمعات: الاستبداد والفساد. تجد ذلك فى كل المجتمعات الوثنية. فى المجتمع المكى -على سبيل المثال- سادت، عند بعثة النبى، محمد صلى الله عليه وسلم، العبودية، وانقسم المجتمع إلى طبقات يستعبد بعضها بعضاً، واستبدت أوليجاركية التجار بمن عداها فأذلت وأضلت، وانتهى بها الأمر إلى رفع الأصنام على الكعبة، ليس إيماناً بعبادتها، فقد كانوا يدركون أن الله تعالى هو خالق السموات والأرض، ولكن تكريساً لمصالحهم لدى القبائل العربية الأخرى التى تدين بالولاء لقبيلة قريش، ودفاعاً عن مواقعهم كمسيطرين على طائفة العبيد والموالى والفقراء من أهل مكة، الذين قدسوهم كرموز، مثلما قدسوا أوثانهم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رحلة «العبد الشكور» رحلة «العبد الشكور»



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon