توقيت القاهرة المحلي 11:01:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المجذوب والمجاذيب

  مصر اليوم -

المجذوب والمجاذيب

بقلم - د. محمود خليل

«الدروشة» جزء من السمات المميزة للشخصية المصرية.. ويصح أن نصف أنفسنا كشعب بأننا «دراويش» أكثر من غيرنا من الشعوب، أو أميل إلى الدروشة مقارنة بهم.. والدروشة لدينا مستويان: «دروشة التأثير» من ناحية، و«دروشة التأثر» من ناحية أخرى، فالدرويش «المؤثر» هو من يملك أدوات الدروشة وحيلها، والدرويش «المتأثر» هو الفرد العادى الذى تؤثر فيه أدوات الدرويش وحيله. وإذا كان الدرويش المؤثر يوصف فى أحيان بـ«المجذوب»، فإن المتأثر به أو تابعه يصح أن يوصف بـ«مجذوب المجذوب».

«المجذوب» فى الثقافة الشعبية المصرية هو شخص «شرب الشربة» ورزقه الله نعمة اللقاء بقطب المعالى على جبل قاف. وجبل قاف جبل أسطورى تصور العرب قديماً أنه موجود ويلف الأرض من كافة أطرافها، وفوق هذا الجبل يجتمع أقطاب الصوفية، ويستدعون من حالفه الحظ من عباد الله المؤمنين فيسقونه شربة الحب، ليصبح رجلاً من رجال الله أو محسوباً على الله. أما «مجذوب المجذوب» فهو شخص «شرب الخدعة»، وخضع أو ضعف أو استسلم لمن قد يكون أضعف وأبعد عن الله منه.

وقبل أن تفهمنى خطأ أود أن أوضح لك أننى أفرق بين المجذوب المتدروش وأحواله، ومن يمكن أن تعتبرهم أولياء الله الذين ينطبق عليهم قوله تعالى: «ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون». فأولياء الله يعرفون بالإيمان النقى غير المشوب بأى شكل من أشكال الشرك، والتقوى التى تحكم سلوكياتهم من أدناها إلى أعلاها، أما الدراويش المجاذيب فيعرفون بالسلوكيات العجيبة والأحوال الغريبة وإجادة خداع الآخرين فيما يعقل وما لا يعقل، والأخطر والأهم أن الدرويش المجذوب (الذى له مجاذيب) يتكسب ويربح من وراء دروشته، أو قد يكون أداة للاستثمار فى يد غيره.

والمؤمن التقى لا يشتهر كولىّ من أولياء الله (رب أشعث أغبر لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره)، فى حين يعد «المجذوب» أكثر شهرة وتأثيراً منه، فهو يشتهر بين من يعرفونه معرفة مباشرة، وقد يشتهر خارج مربع معارفه، فيمسى نجماً داخل مربعات السياسة والاقتصاد والفن والرياضة، وكافة مجالات الشهرة الأخرى. ولكى يبرر مجاذيب المجذوب انجذابهم نحوه فإنهم يرفعونه إلى مرتبة الولاية ويصفونه بـ«الولى». وما أكثر ما يكون هذا النوع من المجاذيب قريباً من الولاة والأمراء، وأحياناً ما يكون جزءاً من بلاط الحكم.

الدروشة والتدروش جزء من الموروث الثقافى للمماليك، وهو الموروث الذى يسود العديد من المجتمعات العربية. فالمماليك لم يسيطروا على مصر لوحدها، بل تمددت أقدامهم إلى الشام والعديد من البلدان الأخرى، وغرسوا ثقافتهم فيها. وللدرويش فى الثقافة المملوكية وظائف عديدة، من بينها المساعدة فى السيطرة الناعمة على الطبقات الشعبية، كما يمكن أن يستخدم كمنديل نظافة تمسح فيه السلطة بعض القرارات الغريبة التى تتخذها، ناهيك عن نشر نوع معين من التدين المستحب والمرضى لكل من السلطة والشعب.

وإذا كانت ظاهرة «الدروشة» لم تستحدث من عدم فإنها كذلك «لا تفنى». 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المجذوب والمجاذيب المجذوب والمجاذيب



GMT 10:09 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط والشرع وجروح الأسدين

GMT 10:08 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

بجعة سوداء

GMT 10:07 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عن «شاهبندر الإخوان»... يوسف ندا

GMT 10:05 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

لبنان... إلى أين؟

GMT 10:04 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... من سيكتب الدستور؟

GMT 10:02 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

اكتب أنت يا عندليب!

GMT 10:00 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

أُهدى جائزتى.. إلى جريدتى

GMT 09:59 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

الزمن الإسرائيلى

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon