بقلم - د. محمود خليل
عبارة "ديننا عظيم وحياتنا وثنية" وردت على لسان بطل رواية "رحلة ابن فطومة" للمبدع نجيب محفوظ.. وهي عبارة شديدة النفاذ والعمق في التعبير عن حالة التدين داخل العديد من المجتمعات.. فالأديان بطبيعتها عظيمة، بما تحمله من قيم وما تؤكد عليه من أخلاقيات رفيعة تؤدي إلى علاقات أكثر سماحة وتوازناً بين البشر.
لكن الواقع يقول أن الدين مجرد لعق على ألسنة بعض الناس، وأنه لا يتمكن من قلوبهم بصورة تجعله حاكماً أعلى لسلوكهم وأدائهم الأخلاقي، الذي تمكن من قلوب البعض حقيقة هو الفكر الوثني، بما يكرسه داخل نفس الخاضع له من دنيوية وشهوانية وفردية وانحطاط عقلي وغير ذلك من قيم سلبية تجعل أخلاق صاحبها نموذجاً للقبح والتردي.
الفكر الوثني هو الأصل في السلوكيات المسعورة، وهو السر وراء حالة التسمم الأخلاقي التي تطفح على أداء الشخصيات الثعبانية أو التوكسيك كما يسميها البعض. أحد جوانب "التثعبن" تظهر في توظيف التدين الشكلاني كوسيلة للدغ الآخرين.
فالأداء المعلن لهذا النوع من الشخصيات تجده فواحاً بعبارات الدين، فكل يوم يكتب على حسابه على السوشيال ميديا أو داخل المجموعات المنضم إليها على الواتس أو غيره حكمة أو آية أو حديثاً أو دعاء، وينثر كل أسبوع العبارات التي يدعو فيها بالجمعة المباركة، وكل يوم العبارات المتحدثة عن الصباح النادي، والليل الهادي المعطر بذكر الله، وهو لا يتوانى بعد ذلك في ارتكاب كل الموبقات، سواءاً بالقول المسمم، والكلمات التي تزن أحجار الجبال، وبالسلوك المسعور الذي يقوم على عض الآخرين وهبشهم وتسميم دمائهم.
أمثال هؤلاء قد تجدهم حاضرين في المساجد، ويضربون مواعيدهم للآخرين بناء على مواعيد الصلاة، وقد تجدهم متحدثين عن الصيام وانغماسهم فيه، وفي إعداد ما يلزم الصائمين في موائد الرحمن، وقد يحضرون في طوابير العمرة والحج، وغير ذلك.
وقد حدثنا النبي صلى الله عليه وسلم عن نوعية من المصلين لا ترتقي الصلاة بأخلاقياتهم وقال فيهم: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا".. وحدثنا عن الصائمين الذين لا يتمثلون أخلاق الصيام قائلاً: "رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر".
فالعبادة التي لا ترتقي بأخلاقيات صاحبها مشكوك في جدواها، مهما بالغ صاحبها فيها.
بالطبع أغلب المتدينين ليسوا كذلك، فهناك من يتقي الله ويخشاه ويعرف للعبادة حقها، ويتمثل قيم وأخلاقيات الدين في سلوكياته، لكنني أحدثك عن صنف شائع أيضاً من المتدينين الذين لا يتوقفون عن تكرار الكلام عن الدين بلسانهم، ثم إذا حللت سلوكهم وجدتهم قد أكلوا مال هذا، وهضموا حق هذا، ونهبوا وسرقوا ونصبوا وكذبوا، وفعلوا كل المنكرات والموبقات، أمثال هؤلاء هم أكثر من يسيئون إلى عظمة الأديان بأدائهم اللا أخلاقي.. لكن السؤال: كيف يجمع هؤلاء في نفوسهم بين النقيضين؟