توقيت القاهرة المحلي 17:39:12 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حين ركبت «التفاهة»

  مصر اليوم -

حين ركبت «التفاهة»

بقلم - د. محمود خليل

لم يكن "لمعان" شخصية "تفاهة" في فيلم "بلية ودماغه العالية" تعبيراً عن مجرد إبداع خاص قدمته في الفيلم، بل ظني أن جوهره أن فكرة "التتفيه" ومنهجياته -إن صح أن له منهجيات- كانت قد بدأت في الزحف بشكل حثيث إلى كافة مفاصل الحياة داخل مجتمعنا، فأصبح كل شىء قابل للتسفيه، في المقابل لقيت التفاهة والتتفيه والتافهون مساحات تمدد في المجتمع، فاقت أي زمن مضى.

كأمثلة على ذلك.. انتشرت أواخر التسعينات وخلال العقد الأول من الألفية الجديدة برامج ساخرة عديدة، اعتمدت بشكل أساسي على منهجية "التتفيه"، وجعل الكثير من الأفلام التي تمتعت بمكانة خاصة على خريطة الوجدان المصري، بسبب عظمة النصوص المأخوذة عنها، أو معالجتها لموضوعات أو لمراحل شكلت حلقات مفصلية في تاريخنا، أو مشاركة فنانين كبار فيها، مادة للضحك، والسخرية، والزغزغة الفجة.

تعال مثلاُ نستذكر عملاً مثل "دعاء الكروان" الذي هز وجدان العديد من الأجيال، لما حمله من وصف لتناقضات وتقلبات مشاعر البشر، وما يطرحه من أفكار حول سحق الأغنياء للفقراء، واتخاذهم مادة للتسري، والثقافة العنيفة التي تحملها الطبقات الفقيرة في نظرتها إلى المرأة.

دعاء الكروان تحول إلى "دعاء البغبغان" وبات مادة للسخرية في أحد هذه البرامج.

وعمل درامي يمجد السعي الشريف في الحياة الذي دفع بأحد الفقراء إلى مواقع متقدمة على خريطة الثراء، مثل "لن أعيش في جلباب أبي" تحول إلى "لن أعيش في بوكسر أبي"، ونص "التوت والنبوت" تحول إلى "البوت والزعبوط".

وكما تعلم فإن دعاء الكروان مأخوذ عن رواية عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، ولن أعيش في جلباب أبي مأخوذ من نص لإحسان عبد القدوس، والتوت والنبوت، يمثل الحكاية العاشرة من حكايات الحرافيش لصاحب نوبل، الأديب نجيب محفوظ.

نماذج عديدة ستجدها لو فتشت لبرامج وأعمال تليفزيونية اعتمدت خلال هذه الفترة على تتفيه إبداع العديد من الرموز الفكرية والأدبية والفنية، وتسييل قيمتها داخل الوجدان العام، من خلال أداة لا تخطىء في تأثيرها، وهي أداة السخرية.

وفي خضم هذا التحول الذي بدأ منذ عقد التسعينات وامتد إلى العقدين التاليين له، أصبحت السخرية وتتفيه كل شىء "سلو بلدنا"، وأصبح البحث عن الكوميديا هو كل شىء، وانتشرت في هذه الأجواء أعمال كوميدية عديدة اختلفت في قيمتها، وأرجو ألا أكون مبالغاً إذا قلت أن أغلبها خرج مكسواً بحمولة من التفاهة و"السآلة" غير المسبوقة في تاريخنا.. بل قل إن البطولة فيها كانت للتفاهة.

الكوميديا مطلوبة ولا شك، وهي جناح أساسي من أجنحة الدراما، لكن بإمكانك أن تقيس الفارق بين الأعمال الكوميدية المعاصرة، وكوميديا نجيب الريحاني، أو اسماعيل ياسين، أو فؤاد المهندس، ورغم ما اتهمت به بعض أعمال النجمين الأخيرين من تفاهة وسطحية، إلا أنها لم تخل من فكرة، فلم يكن الغالب عليها جميعها منهجية "التتفيه" بالصورة التي شهدناها أو نشهدها، بل كان بعضها يحمل قيمة كبرى.. انظر على سبيل المثال كيف عالج فؤاد المهندس آفة النفاق في فيلم "أرض النفاق"، وكيف جسد اسماعيل ياسين فكرة "قضا أخف من قضا" في فيلم "اسماعيل ياسين في السجن".

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حين ركبت «التفاهة» حين ركبت «التفاهة»



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 23:48 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
  مصر اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض  وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 14:12 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
  مصر اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 03:10 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

داليدا خليل تستعد للمشاركة في الدراما المصرية

GMT 21:21 2015 الأربعاء ,15 إبريل / نيسان

أهالي قرية السلاموني يعانون من الغرامات

GMT 02:17 2016 الثلاثاء ,21 حزيران / يونيو

فوائد عصير الكرانبري لعلاج السلس البولي

GMT 01:18 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

سامسونج تكشف عن نسخة باللون الأحمر من جلاكسى S8

GMT 17:27 2022 الثلاثاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

أطعمة تمنع مرض الزهايمر أبرزها الأسماك الدهنية

GMT 15:02 2021 الإثنين ,11 تشرين الأول / أكتوبر

ريلمي تعلن موعد إطلاق النسخة الجديدة من هاتف Realme GT Neo2T

GMT 13:46 2021 الثلاثاء ,05 تشرين الأول / أكتوبر

رامي جمال يروج لأغنية "خليكي" بعد عودة انستجرام

GMT 04:47 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

{غولدمان ساكس} يخفض توقعات نمو الاقتصاد الأميركي

GMT 05:00 2021 الأربعاء ,14 تموز / يوليو

تفريغ 964 طن حديد في ميناء غرب بورسعيد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon