توقيت القاهرة المحلي 07:53:02 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دموع التوبة ونشيجها

  مصر اليوم -

دموع التوبة ونشيجها

بقلم - د. محمود خليل

انتهت قصة آدم عليه السلام بكلمات ألهمها له الله، رفع وجهه إلى السماء ونطق بها وتقبلها الخالق الرحيم منه وتاب عليه.. يقول الله تعالى: "فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم"، اجتهادات كثيرة ساقها المفسرون في محضر تحديد هذه الكلمات، لكن أغلب الظن أن هذه الكلمات مفسرة -كما يذهب "ابن كثير"- بقوله تعالى: "قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين".

المشهد الختامي من قصة "آدم" يشير إلى وقوع اتصال من نوع ما بين الخالق العظيم وخليفته في الأرض، تلقى "آدم" كلمات التوبة خلاله، فقد ظل أبو البشر يستغفر ربه بعد أن هبط إلى الأرض، ويدعوه أن يقبل توبته عما اقترف من المعصية، واستمع الله إلى نشيج الندم المتدفق عبر صوته، ونظر إلى دموع الندم التي تدفقت من عينيه، فتاب سبحانه عليه، وغفر له، ومع هذه التوبة حانت لحظة عودة روح آدم عليه السلام إلى بارئها، بعد أن انتهت رسالته.

استفاد نجيب محفوظ من هذا المشهد الختامي في بناء المشهد المقابل في قصة "أدهم"، فوصف كيف هد الحزن "أدهم"، وكيف سكن الهم كل خلية من خلايا جسده فأمرضها، وباتت أغنامه مهددة بالهلاك، بعد أن ضاع ابناه، واحد بالقتل والآخر بالفرار من المنزل، وفي ظلام المحنة الكبرى التي عاشها المسكين، جاءته بارقة أمل في لحظة استثنائية من عمر الزمن، أنصت فيها إلى وقع أقدام يعرفها جيداً، تقترب من الكوخ الذي يرقد فيه، نعم إنه هو، الجبلاوي، أبوه الذي طرده من البيت الكبير.

لم يصدق "أدهم" نفسه وهو يرى صورة "الجبلاوي" واقفاً أمامه، في حين يرقد هو على السرير عاجزاً عن القيام، أخذ يبكي فسأله الأب: "أنت تبكي وأنت الذي أخطأت"، فقال أدهم بصوت يشرق بالدمع: "الخطأ كثير والعقاب كثير ولكن حتى الحشرات المؤذية لا تيأس من العثور على ظل".. فرد الجبلاوي: "هكذا تعلمني الحكمة!"، فقال أدهم: "عفوا عفوا، الحزن أرهقني، والمرض ركبني، حتى أغنامي مهددة بالهلاك، أنجبت قاتلاً وقتيلاً.. فقال الجبلاوي: "الميت لا يعود.. فماذا تطلب؟".. تنهد أدهم وقال: "كنت أهفو للغناء في الحديقة ولكن لن يطيب لي اليوم شىء".. فقال الجبلاوي: "سيكون الوقف لذريتك.. لا تجهد نفسك واركن إلى النوم".

هكذا كتبت عبقرية نجيب محفوظ السطر الأخير في قصة "أدهم" مستدعيا الأصل القرآني، ومستلهما الآية الكريمة التي انتهت إليها القصة حين تلقى "آدم" من ربه كلمة التوبة، ولهج بها فتاب الله عليه.

لقد أراد الأديب الكبير التأكيد على فكرة أن نبي الله آدم عليه السلام يمثل أصل كل شعوب العالم، وأن من الوارد أن يتصوره كل شعب تبعاً لثقافته وتكوينه وتركيبته.. فالأمريكي يتصور أبا البشر أمريكياً، والأوربي يتصوره أوربياً، والصيني يظنه صينياً، وقد أراد نجيب محفوظ أن يقدم النسخة المصرية من آدم عليه السلام، عبر حكاية "أدهم" التي تصدرت رواية "أولاد حارتنا"، وقد تفوق المصريون بهذا الإبداع "ألمحفوظي" على غيرهم من شعوب العالم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دموع التوبة ونشيجها دموع التوبة ونشيجها



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon