توقيت القاهرة المحلي 18:25:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عندما يصبح الصقر «دجاجة»

  مصر اليوم -

عندما يصبح الصقر «دجاجة»

بقلم - د. محمود خليل

هل سأظل ممدداً هكذا؟.. سأل «آدم الصغير» نفسه.. أخشى أن أبقى سنين على هذا الوضع.. أخشى أكثر أن أتعوّد عليه.. فأمسى مثل الصقر الذى حبسوه فى قفص.. فظل يضرب بجناحيه فى أنحائه أياماً عدداً يحاول الخروج والطيران والتحليق.. ولما أحس بأن هذا القفص يحتضن نهايته استسلم لأقداره ويئس.. وإن هى إلا ساعات حتى أخرجوه فى الهواء الطلق وتركوه ليطير.. حاول ولم يستطع.. أصبح الصقر دجاجة.. ألم يئن أوان الخروج؟

- الشاب: أخشى أن أتحول إلى دجاجة يا جدى.- الشيخ: كلُّ ميسر لما خُلق له.- الشاب: أريد الخروج.. أريد الخروج - الشيخ: حتى الدجاجة تستطيع الطيران إذا ضغطتها الظروف ووجدت نجاتها فى الطيران.. لقد صنع إنسان مرة جناحين من خشب وطار بهما.

- الشاب: وانكسرت رقبته فى النهاية عندما ارتطم رأسه بأرض الواقع.. ولم تنفعه الأجنحة الخشب.- الشيخ: لكنه طار لثوان أبصر فيها العالم كما لم يبصره أحد.

- الشاب (بضجر): عالَم مريضة نفسياً.. ماذا جنى فى النهاية؟- الشيخ (مبتسماً): جنى ما يجنيه كل البشر.. الموت.. آمن بإرادة الله وسوف تقوم.- الشاب (بغضب): سأقوم بإرادتى.

- الشيخ: على قدر إيمانك بإرادة الله تكون إرادتك.. كذلك تعلمت من جدى حسن الترجمان.يظهر «الترجمان» وقد شاب شعره بعض الشىء، وما زال حزنه على مصطفى ساخنا.. عيناه تدمعان ويردد: «مصطفى.. مصطفى».. تتغير الصورة فجأة ليظهر الوالى محمد على الكبير وهو يجلس على أريكته داخل القلعة وقد بات عجوزاً طاعناً بمرور السنين.. اختل ميزان عقله الذهبى الذى خطط وبنى مشروعات أعادت رسم خريطة المحروسة.. لكنه الزمن.. أبلغ ولده إبراهيم باشا الباب العالى بأن الوالى الكبير أصابه الخرف فصدر فرمان عثملى بتولية إبراهيم مكانه.

لم يهنأ القائد الشهير بالحكم سوى بضعة شهور، حين استوفى أجله وصعدت روحه إلى بارئها، ليتولى الحفيد «عباس الأول» الحكم.صدأ العقل الذهبى للوالى الكبير وأصابه الخرف.. ولم يعد يلتفت إليه أحد.. ذاك الذى كان ملء السمع والبصر مكث آخر أيامه يخاطب أشباحاً، ويهذى بكلمات لا يفهم أحد معناها. الكلمة الأوضح فى دفقات هلاوسه هى «طوسون» ولده الذى مات فى شبابه ودفنه بيديه.

مرت الأيام ووصل ركب الحياة إلى رمضان عام 1849. كان المصريون كعادتهم فى مثل هذا الشهر يسهرون حتى الفجر، ويستيقظون عند الظهر، وينشطون مع صلاة العصر. بعضهم يسلى صيامه حتى أذان المغرب بالتجول فى الأسواق، أو بالجلوس فى الطرقات، أو بالتمدد فى الجوامع.

وبينما كان أهالى المحروسة على تلك الحال سمعوا المنادى ينادى: «الدوام لله.. مات الوالى الكبير محمد على باشا وسوف يدفن جثمانه بعد الصلاة عليه بمسجده الذى بناه بالقلعة».ظهر بعض الأهالى وهم يتساءلون: وهل كان على قيد الحياة حتى اللحظة؟!. ورددت امرأة «مَن مات كبير مات هبيل الناس تضحك عليه.. ومن مات صغير مات نبى الناس تبكى عليه».

أهالى المحروسة نسوا الوالى الكبير الذى عاش يحكم ما يزيد على 4 عقود، وانتقل الحكم على حياة عينه إلى ولده ثم حفيده.. استطالوا عمره فنسوه.. لكن «الترجمان» لم ينس.. كان يرى فى الوالى الكبير عقلاً مختلفاً.. يعجبه طموحه.. ينبهر بقدرته على إنفاذ إرادته.. يتأمل مهارته فى الإدارة.. يرى فيه نموذجاً للإنسان القوى القادر على إعادة رسم وجه الحياة.واصل «الترجمان» الحياة.. وتزوج -للمرة الثالثة- من شابة شامية مات عنها زوجها وأنجب منها ولداً أطلق عليه اسم «مصطفى» إحياءً لذكرى ولده الراحل.. وقال لنفسه لا بد للتجربة أن تكتمل.ضحك آدم الصغير وهو يسمع ويشاهد ما يحكيه جده ثم قال:- الشاب: جدى حسن لم يكن يضيع وقته.. (ثم ضاحكاً): ما هذه العائلة المخلطة الملخبطة.. مغربى يتزوج شامية ينجب مصرياً.. واضح أننا عائلة مضروبة فى الخلاط.- الشيخ: كلنا لآدم.. وآدم للتراب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عندما يصبح الصقر «دجاجة» عندما يصبح الصقر «دجاجة»



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon