توقيت القاهرة المحلي 20:52:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قرننة المفسدين

  مصر اليوم -

قرننة المفسدين

بقلم - محمود خليل

القرننة (بمعنى تقليد قارون) لا تؤدى بصاحبها إلى سلاطة اللسان وفقط، بل تحوله أيضاً إلى آلة فساد وإفساد داخل الواقع الذى يعيش فيه. كان قوم قارون ينصحونه بالتوقف عن استهداف الفساد فى الأرض: «وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ».

النصيحة التى وجهها قوم موسى إلى قارون صالحة لكى توجه إلى كل من يتبنى «منهجية القرننة» فى كل زمان ومكان، فهى تنبه إلى ضرورة التوازن فى النظر إلى أدوات القوة، وحسن توظيفها لخدمة الحياة وتحسين ظروفها، فإذا كان الله تعالى قد أحسن إلى الإنسان بالنعمة فلا بد أن يقابل الإنسان ذلك بحسن استخدام النعمة، فلا يجعلها أداة للبغى على الآخرين، أو التسلط عليهم، أو قهرهم وإذلالهم، إنه إن فعل ذلك تورط فى إفساد الحياة.

وجوهر الإفساد هنا لا يرتبط بالثراء فى حد ذاته، لأن البشر يتفاوتون فى أرزاقهم، ودرجة غناهم أو فقرهم، تلك هى طبيعة الحياة، بل يتعلق بتركيز الثروات فى يد شخص أو عدة أشخاص. فتركيز الثروات يعنى ضرب فكرة العدالة وتكافؤ الفرص داخل المجتمع، إذ تتاح كل مساحات الكسب والنمو أمام أشخاص بأعينهم، ويحرم باقى المجموع منها، وهذا هو المقصود بالبغى الذى أشار القرآن الكريم إليه فى قوله تعالى: «إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ».. فالبغى يعنى انتقاص حقوق الآخرين.

الله تعالى لا يحب المفسدين، لأنهم يعملون ضد حكمته ومشيئته، فقد خلق الله الدنيا للإنسان كى يعمرها ويهيّئها لحياة أفضل له ولغيره: «هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا». فولاء الإنسان للأرض أصله الانتماء إليها، لأنه نشأ من ترابها، وإخلاصه فى إعمارها مشيئة إلهية حتى تصلح الحياة عليها، وبالتالى فإن من يعملون على إفساد الحياة فوقها، بأى صورة من الصور، لا يحبهم الله، سواء عن طريق إفساد أدوات الحياة، أو ظروفها، أو إحساس البشر بها.

«القرننة» لا ترتبط بفترة زمنية معينة أو بيئة مكانية محددة، إنها حالة ليس مصدرها فرد يخرج من بين مجموعة فيتسلط عليهم بما يملك من أدوات قوة، بل مصدرها مجتمع يهيئ -بسكاته وانكفائه- الظروف والأجواء لصعود شخوص بأعينهم إلى منصات القوة، ويمهد الطريق لهم لامتلاك الأدوات التى تمكنهم من السيطرة على المجموع، والتلاعب به.

ومآلات مثل هذه الشخصيات، كما يمكن أن تتبعها فى قصة قارون هى «الخسف» بعد علو، والدفن فى ظلمات الأرض بعد التألق الزائف فوق ظهرها. يقول الله تعالى: «فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ ».

مهما طال سكات البشر لا بد أن تأتى لحظة يتدخل فيها الخالق العظيم لإحقاق الحق، وإعادة ميزان العدالة إلى وضعه الطبيعى، وفى مثل هذه الأحوال لا يجد الظالم من يمد يده إليه ممن حوله، بعد أن داس الجميع فى طريقه، وأصبح كالمنبتّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قرننة المفسدين قرننة المفسدين



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon