توقيت القاهرة المحلي 14:42:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قرننة المفسدين

  مصر اليوم -

قرننة المفسدين

بقلم - محمود خليل

القرننة (بمعنى تقليد قارون) لا تؤدى بصاحبها إلى سلاطة اللسان وفقط، بل تحوله أيضاً إلى آلة فساد وإفساد داخل الواقع الذى يعيش فيه. كان قوم قارون ينصحونه بالتوقف عن استهداف الفساد فى الأرض: «وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ».

النصيحة التى وجهها قوم موسى إلى قارون صالحة لكى توجه إلى كل من يتبنى «منهجية القرننة» فى كل زمان ومكان، فهى تنبه إلى ضرورة التوازن فى النظر إلى أدوات القوة، وحسن توظيفها لخدمة الحياة وتحسين ظروفها، فإذا كان الله تعالى قد أحسن إلى الإنسان بالنعمة فلا بد أن يقابل الإنسان ذلك بحسن استخدام النعمة، فلا يجعلها أداة للبغى على الآخرين، أو التسلط عليهم، أو قهرهم وإذلالهم، إنه إن فعل ذلك تورط فى إفساد الحياة.

وجوهر الإفساد هنا لا يرتبط بالثراء فى حد ذاته، لأن البشر يتفاوتون فى أرزاقهم، ودرجة غناهم أو فقرهم، تلك هى طبيعة الحياة، بل يتعلق بتركيز الثروات فى يد شخص أو عدة أشخاص. فتركيز الثروات يعنى ضرب فكرة العدالة وتكافؤ الفرص داخل المجتمع، إذ تتاح كل مساحات الكسب والنمو أمام أشخاص بأعينهم، ويحرم باقى المجموع منها، وهذا هو المقصود بالبغى الذى أشار القرآن الكريم إليه فى قوله تعالى: «إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ».. فالبغى يعنى انتقاص حقوق الآخرين.

الله تعالى لا يحب المفسدين، لأنهم يعملون ضد حكمته ومشيئته، فقد خلق الله الدنيا للإنسان كى يعمرها ويهيّئها لحياة أفضل له ولغيره: «هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا». فولاء الإنسان للأرض أصله الانتماء إليها، لأنه نشأ من ترابها، وإخلاصه فى إعمارها مشيئة إلهية حتى تصلح الحياة عليها، وبالتالى فإن من يعملون على إفساد الحياة فوقها، بأى صورة من الصور، لا يحبهم الله، سواء عن طريق إفساد أدوات الحياة، أو ظروفها، أو إحساس البشر بها.

«القرننة» لا ترتبط بفترة زمنية معينة أو بيئة مكانية محددة، إنها حالة ليس مصدرها فرد يخرج من بين مجموعة فيتسلط عليهم بما يملك من أدوات قوة، بل مصدرها مجتمع يهيئ -بسكاته وانكفائه- الظروف والأجواء لصعود شخوص بأعينهم إلى منصات القوة، ويمهد الطريق لهم لامتلاك الأدوات التى تمكنهم من السيطرة على المجموع، والتلاعب به.

ومآلات مثل هذه الشخصيات، كما يمكن أن تتبعها فى قصة قارون هى «الخسف» بعد علو، والدفن فى ظلمات الأرض بعد التألق الزائف فوق ظهرها. يقول الله تعالى: «فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ ».

مهما طال سكات البشر لا بد أن تأتى لحظة يتدخل فيها الخالق العظيم لإحقاق الحق، وإعادة ميزان العدالة إلى وضعه الطبيعى، وفى مثل هذه الأحوال لا يجد الظالم من يمد يده إليه ممن حوله، بعد أن داس الجميع فى طريقه، وأصبح كالمنبتّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قرننة المفسدين قرننة المفسدين



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon