توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أوجاع «الدنيا»

  مصر اليوم -

أوجاع «الدنيا»

بقلم - د. محمود خليل

في رواية أولاد حارتنا أوغل نجيب محفوظ في وصف معاناة أدهم المادية بعد خروجه من البيت الكبير، المعاناة في الحصول على القوت، ومعاناة الحرمان من دفء وأطايب البيت الكبير، والمعاناة من "إدريس"، الذي تشفى فيه وعبر في كل مواقف عن شماتته به ونجاحه في جره إلى معصية "الجبلاوي" إلى أن طرده من البيت الكبير.

عاش "أدهم" يردد في الخلاء: "العمل من أجل القوت لعنة اللعنات، كنت في الحديقة أعيش، لا عمل لي إلا أن أنظر إلى السماء أو أنفخ في الناي، أما اليوم فلست إلا حيوانا.. الحياة الحقة في البيت الكبير، حيث لا عمل للقوت، وحيث المرح والجمال والغناء".

ورغم ما كابده "أدهم" من قسوة الحياة، إلا أن معاناته الحقيقية تفجرت على يد ابنيه "قدري وهمام"، وقد أبدع نجيب محفوظ في استدعاء ما حكاه القرآن الكريم حول مقتل "هابيل" على يد شقيقه "قابيل"، وغزله في سياق "سردية المعاناة" التي عاشها "أدهم"، بعد طرده من البيت الكبير ونزوله إلى الخلاء.

كانت حال أسرة "أدهم وأميمة" قد استقرت لبعض الوقت، بعد أن أنجبا كلاً من قدري وهمام، وعمل الاثنان رعاة غنم، وكان "قدري" أقرب في الشبه والطباع لعمه "إدريس"، في حين كان "همام" أقرب إلى أبيه خلقة وخلقاً، وكان يحب أن يسمع حكاويه عن جده الكبير "الجبلاوي"، ويتألم للحسرة التي يلمحها في عينيه، حين يأتي على سيرته.

بدأت مأساة الأسرة حين فاجأ "عم كريم" خادم البيت الكبير كوخ "أدهم" وأسرته بزيارة سريعة أبلغهم فيها أن "الجبلاوي" -سيد البيت الكبير- يدعو "همام" للقائه.

كانت هذه الدعوة نكبة على الأسرة، فقد نقم "قدري" على شقيقه، بعدما علم أن الجبلاوي الكبير قرر ضم "همام" إلى البيت الكبير، حاول الدخول معه، لكن مشيئة "الجبلاوي" ردته بحسم، لحظتها بيّت في نفسه التخلص من أخيه، طوعت له نفسه قتل أخيه "همام"، وانتهز فرصة جمعتهما بجبل المقطم لرعي الغنم، فالتقط صخرة كبيرة وهوى بها على رأسه فقتله.

انهار "قدري" من فعلته الشنيعة، حاول أن يجمع نفسه التي تبعثرت على رمال المقطم، وحمل جثة أخيه، ودفنها، ودارى بقع الدماء التي تساقطت من ضحيته، ثم ساق الغنم وعاد إلى المنزل.لم يعد "همام" معه، سأله "أدهم" عنه فراوغه في الإجابة.

نظر أدهم في عيني ولده فأحس بأنهما تخفيان مأساة، حاول طمأنة نفسه بما قاله "قدري" بأن "همام" ربما يكون قد تعجل وذهب إلى البيت الكبير، لكن زيارة من "عم كريم" خادم البيت الكبير تسأل عما عطّل "همام" عن المجىء ألقت به في بحر الظنون، سحب "أدهم" ولده "قدري"، وسار به إلى المقطم، وأخذ يضرب فيه حتى اعترف بفعلته، وذهب معه إلى حيث دفنه، وأخرج جثته وأجبره على حملها، وصرخ فيه "أدهم": "على القاتل أن يحمل ضحيته".

وكما كانت واقعة مقتل قابيل على يد هابيل تمثل الحلقة الأخيرة في سلسلة أحداث "قصة آدم"، كان الحدث المعادل لها في رواية "أولاد حارتنا" خاتمة الأحداث في رحلة "أدهم"، إنه الحدث الذي مثل ذروة المأساة التي عاشها في الخلاء، وقمة الوجع لنفسه التي غسلتها المحنة فأدركتها رحمة الله.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوجاع «الدنيا» أوجاع «الدنيا»



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon