توقيت القاهرة المحلي 02:01:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الإيمان تجربة

  مصر اليوم -

الإيمان تجربة

بقلم - د. محمود خليل

كان عاشور الناجي -في الحكاية الأولى من ملحمة الحرافيش لنجيب محفوظ- يرى في الشيخ عفرة زيدان نموذجاً للمتدين المثالي، لكن مسارات الأحداث تؤشر إلى أنه لم يتعمق جيداً في أسلوب الشيخ في التعامل مع "سبل الهداية"، لم يتأمل جيداً عجز الشيخ عن هداية شقيقه "درويش زيدان"، وإيمانه بأن الهدى هدى الله، وأن الهدى الإيماني أصله التجربة.

وجد "عاشور" نفسه عاجزاً عن هداية أبنائه من زوجته الأولى "رينب"، ثلاثة ذكور أنجبهم وحاول أن يربيهم على القيم التي رباه عليها "الشيخ عفرة" لكنه عجز عن ذلك، تعجب كيف يعجز أب عن تشكيل شخصية أبنائه وهم ما زالوا "عجينة طرية" قالبة للتشكيل!

توجه إلى زوجته الثانية "فلة" التي كانت في عمر أبنائه، وهي لقيطة مثله، وحاول زرع بذرة الإيمان في قلبها. سنحت فرصة نادرة لـ"عاشور" ليملأ قلب "فلة بالإيمان" حين فرت معه إلى الخلاء، هرباً من "الشوطة".

لم تكن "فلة" تعرف الله ولا الأنبياء ولا الثواب ولا العقاب، تحفظ سور القرآن في عناء، يغلبها الضحك فتخرج من الصلاة، وتصلي اتقاءاً لغضب عاشور، واستجلاباً لمرضاته. سألته ذات يوم وهما بالخلاء:

- لماذا ترك الله الموت يفتك بالناس؟

- فأجابها بعنف: من يدري لعلهم في حاجة إلى تأديب!

- فقالت مداعبة: لا تغضب مثل الله.- متى تهذبين ألفاظك؟

- عظيم.. ولم خلقنا بهذا القدر من السوء؟

- فضرب الرمل براحته وتساءل: من أنا حتى أجيبك نيابة عنه عز وجل؟.. ثم أردف: علينا أن نؤمن به فقط.. علينا أن نضع قوتنا في خدمته.

حين رأت "فلة" زوجها العملاق لا يأبه لأمر في الحياة سوى الدين، اتجهت إلى المناورة معه عبر ما يؤمن به، واتبعت معه سبيل "المناورة بالدين"، حدث ذلك حين زينت لـ"عاشور" العيش في بيت "البنان" المخملي، الملىء بالذهب والتحف وخيرات الله، جادلته بالعيشة الضنك التي يحيون في ظلها داخل حجرة منفية في جانب من الحارة، سألته عن الحكمة في أن يعيش إنسان في جحر وآخر في قصر؟

فرد عليها بأن حكمة الله تعز على العقول، فنبهته إلى ما سبق وعلمها من أن الله "يهب الرزق لمن يشاء"، وقد وهبه خير "البنان" بعد أن ابتعلت "ألشوطة" عائلته بأكملها، ولم يعد لممتلكاتها من وارث يرثها، وانتهى أمر "عاشور" المؤمن إلى الاستجابة لها، ليعيش تجربة علمته الكثير.

غاب عن "عاشور" أن الإيمان ليس عملاً تلقينياً، بل "تجربة"، فمهما كان جمال وعظك وعظمته، فإنه لن يمر من الأذن إلى القلب، إلا لمن شاء الله له الهداية.

والهداية جوهرها التجارب التي يمر بها الإنسان في حياته، واتجاه الإنسان إلى تأملها، لتنبت في قلبه بذرة الهداية، وتتفرع أوراقها بعد ذلك مع كل تجربة جديدة.

وقد عاين عاشور ذلك بمرور السنين، حين وجد "فلة" تتجه بقلبها إلى الله، بعد أن تراكمت في حياتها التجارب، فعلمتها معنى الايمان، وبعد أن عاينت أثر رحمة الله في حياتها فتعلق قلبها به.

وكأن مرور السنين وآلام التجارب هي التي تهدي قلب الإنسان، وتعلمه معنى الإيمان.

a
..واقرأ لهؤﻻء

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإيمان تجربة الإيمان تجربة



GMT 20:20 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

انتخابات النمسا وأوروبا الشعبوية

GMT 19:55 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

مصر واليونان وقبرص.. وتركيا

GMT 15:37 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

لبنان.. عودة الأمل وخروج من الأسر الإيراني

GMT 15:33 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

ليلى رستم نجمتنا المفضلة

GMT 08:16 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

انتخابات النمسا وأوروبا الشعبوية

GMT 08:14 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

معضلة الدستور في سوريا

GMT 08:11 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

تقاتلوا

GMT 08:10 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

سوريا بعد الأسد واستقبال الجديد

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:05 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

نجوى فؤاد تكشف حقيقة اعتزالها الفن
  مصر اليوم - نجوى فؤاد تكشف حقيقة اعتزالها الفن

GMT 00:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الأمير ويليام يكشف عن أسوأ هدية اشتراها لكيت ميدلتون

GMT 22:40 2019 الأربعاء ,16 كانون الثاني / يناير

وفاة مهندس في حادث تصادم بعد حفل خطوبته بساعات

GMT 13:19 2019 الأربعاء ,02 كانون الثاني / يناير

تعليق البرازيلي نيمار يثير غضب عشاق الأرجنتيني ليونيل ميسي

GMT 02:36 2018 الإثنين ,17 كانون الأول / ديسمبر

صبغات لتغطية الشعر الشايب وإبراز جمال لون البشرة

GMT 14:16 2018 الجمعة ,05 تشرين الأول / أكتوبر

"فيرير" فيدر أفضل لاعب تنس في تاريخ اللعُبة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon