توقيت القاهرة المحلي 09:38:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تاجر الرداءة

  مصر اليوم -

تاجر الرداءة

بقلم - محمود خليل

فى فيلم «الكيف» يظهر «البهظ بك» وهو يحكى لدكتور الكيمياء عن رحلته فى عالم البيزنس ويقول إنه كان يصنع شاياً مخلوطاً بنشارة الخشب، وأن الناس ظلت تتجرعه سنين طويلة، واستطرد: أنَّبنى ضميرى ذات يوم فألقيت بالنشارة جانباً وقدمت شاياً حقيقياً للناس، لكنهم عزفوا عنه، وكان تفسير دكتور الكيمياء لذلك أن الناس لم يعودوا يقبلون الجيد بعد أن أفسد طول تعاطى الردىء ذوقهم.

صناعة الرداءة تبدأ بفكرة أساسها احتقار المجموع، ويغذيها وينعشها إحساس باللا مبالاة، إلا بأمر واحد هو تحقيق الهدف، سواء تمثل فى حصد أرباح مالية، أو التلاعب بأذواق الناس، أو اللعب فى عقولهم، أو تزييف وعيهم، وتبليد إحساسهم.

تاجر الرداءة يتحدث كثيراً، فأمام كل دقيقة يقضيها فى العمل ساعة يتكلم فيها عن منتجه ومميزاته ولهفة الناس عليه، وغير ذلك من أفكار لا تزيد عن الشقشقات اللفظية التى تثير الإزعاج أكثر مما تستدعى الاقتناع. الهدف الرئيسى فى هذه الحالة هو إحداث أعلى قدر من الدوشة التى تشل قدرة العقل على التفكير.

تاجر الرداءة «مبرراتى» من طراز رفيع، فهو يستطيع أن يبرر اتجاهه إلى تقديم منتجاته بشتى المبررات التى تبدو فى ظاهرها براقة عقلانياً، لكنك لو تعمقت فيها بالتحليل والتشريح فستجد الرداءة تفوح من شتى جوانبها.

«البهظ» استخف بالمخاطر التى تحدث عنها الدكتور الكيميائى والناتجة عن خلط مادة الحناء بالمخدرات، وفى حين استند الأخير إلى نتائج بحث علمى وهو يبرر رأيه، استند «البهظ» إلى فكرة شائعة ملخصها أن أهل العلم والسياسة يحدثون الناس كثيراً عن أضرار اللحمة وبعض الأنواع الأخرى من الأطعمة، لكنهم لا يتحدثون عن تقصيرهم فى تمكين الناس من شرائها، حتى لو كانت اللحمة أو الدجاجة فاسدة فمعدة المصريين تهضم الزلط. سأل «البهظ»: هل يوجد شعب غيرنا فى العالم بنى هرماً؟ ثم أجاب على سؤاله: إحنا بقى بنينا 3 أهرامات.

تاجر الرداءة لا يستطيع العمل بمفرده، بل لديه روح تعاونية، فهو يسعى بكل جهده إلى مد حبل الرداءة على الجرار، فلا يكتفى بالسلعة الرديئة التى يقدمها، بل يعمل على دفع الآخرين إلى إنتاج الرداءة. فى فيلم «الكيف» لم يكتف «البهظ» بإنتاج الشاى أبونشارة أو خلط الحنة بالمخدرات وبيعها للناس، بل عرض على «مزاجنجى» إنشاء شركة لتعبئة أغانيه الرديئة، هى شركة «بهظ فون».

والنتيجة الحتمية المترتبة على الرداءة هى «النكد». دعنى أضرب لك مثلاً واحداً يتعلق بموضوع «مزاجنجية الغناء» ما دمنا قد فتحنا الموضوع. زمان كانت الأغانى أكثر حزناً فى معانيها وأنغامها مما هى عليه الآن (استرجع أغانى مثل موعود وفات المعاد وكل شىء راح وانقضى)، حالياً الأغانى كلها «آخر مزاج»، بل صارت مهرجانات فرح ورقص (كله يرقص كله يغنى)، ورغم ذلك كان الناس فى الماضى أقل «نكداً» مما هم عليه حالياً، أتدرى لماذا؟ لأن معانى وأنغام الأغانى زمان اجتهدت فى تطهير النفس والسمو بالروح واستجلاب أسمى ما فيها من مشاعر، والنتيجة مقاومة الكدر داخل النفس، فى حين أن معانى وأنغام الوقت الحالى تدق على أوتار المتعة الوقتية والفرح الزائف والبهجة المستعارة، التى يعقبها نكد، فماذا يتبقى للمدمن بعد تعاطى الردىء غير التوتر والاضطراب النفسى والعصبى والهم والحزن؟.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تاجر الرداءة تاجر الرداءة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon