توقيت القاهرة المحلي 04:24:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«حي» بين «أموات»

  مصر اليوم -

«حي» بين «أموات»

بقلم - محمود خليل

 

قصص معارضة «الحجاج» كانت عديدة، وعفوه عن معارضيه كان وارداً، وهى فى كل الأحوال تؤكد ذات التوجه الذى تبناه كتاب التراث فى تجميل صورة «الثقفى» الشهير،

بسبب ما التصق بشخصه من جرائم، كما تؤشر أيضاً إلى أن معاصرى الرجل لم يكونوا كلهم «موتى» يجبنون عن مواجهته، خوفاً من عقابه،

بل كان فيهم من تمكّنت الثقة بالله من قلبه، وخاف الله أكثر مما خافه، فعارضه على رؤوس الأشهاد، وعرّى تناقضاته أمام المجموع المسلم.

ومن أروع ما حكاه كُتاب السيرة فى هذا السياق ما كان من رجل عادى من معاصرى «الحجاج»، لم يذكر التاريخ اسمه، امتلك الشجاعة الأدبية، فواجه «الحجاج» بحقيقته التى كان يعلمها الجميع، على ملأ من الناس.

كان الحجاج -كما يحكى «ابن كثير»- يخطب يوماً على عادته فى الناس، وكان خطيباً بارعاً، يجيد لعبة الكلام، والطرق على أدمغة المستمعين بكلمات مبهرة،

فكان من ضمن ما قال لهم: «أيها الناس.. الصبر عن محارم الله أيسر من الصبر على عذاب الله»، كان الناس يسمعون، حين قام من بينهم رجل حقيقى فقاطعه قائلاً: «ويحك يا حجاج ما أصفق وجهك، وأقل حياءك!

تفعل ما تفعل، وتقول مثل هذا الكلام! خبث وضل سعيك».أمر «الحجاج» الحرس بالقبض على الرجل فوراً.

وكان من الطبيعى أن يفعل، بعد أن فضح حقيقته أمام الناس، هؤلاء الذين كان بعضهم ينخدع بكلماته، ويسكرون بلغته الخلابة، ومنطقه البراق، فينسون ما يفعله بهم، وما يرتكبه فى حقهم.

لم يكونوا كلهم كذلك، وإلا كيف خرج من بينهم مَن امتلك الجرأة على مواجهة «الحجاج»؟ ومؤكد أنه لم يكن يعبر عن نفسه فقط، بل عن صوت آخرين غيره، لديهم نفس الرؤية والوعى بشخصية نائب الخليفة.

واصل «الحجاج» الخطبة بعد القبض على الرجل، ولما انتهى منها أمر الحرس أن يأتوه به.

فوجّه له سؤالاً مباشراً: ما الذى جرّأك علىّ؟.

كان ذلك أهم ما يشغل «الحجاج»، إنه يعلم أن كثيرين يكنّون له كراهية دفينة، لكن أحداً لا يجرؤ على إخراجها بهذا الشكل، الذى أضاع هيبته، وقد رد عليه الرجل رداً دامغاً، فقال: ويحك يا «حجاج» أنت تجترئ على الله ولا أجترئ أنا عليك.. ومَن أنت حتى لا أجترئ عليك وأنت تجترئ على الله رب العالمين.

يختتم «ابن كثير» القصة مشيراً إلى أن «الحجاج» لما سمع من الرجل هذا الرد، طلب من الحرس أن يخلوا سبيله ويطلقوه، وذلك فى محاولة متكررة لتجميل وجه «الحجاج».

والقصة فى مجملها تشير إلى أن بلاغة القول، والقدرة على المحاججة، وقوة البيان، وتوظيف المنطق البراق، لم يكن حكراً على «الحجاج» وفقط، بل كان الكثيرون من بسطاء هذا العصر يتمتعون بالمهارات نفسها، مثلما يمكن أن نستخلص من الأداء الجدالى والحجاجى لهذا الرجل من عوام المسلمين، لكن الأهم أن نتفهم أن عصر «الحجاج»، على ما تميز به من ظلم وبطش، لم يخل من رجال امتلكوا الجرأة والشجاعة والإيمان، وجهروا بكلمة الحق.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«حي» بين «أموات» «حي» بين «أموات»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon