توقيت القاهرة المحلي 09:57:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الظروف العنيدة

  مصر اليوم -

الظروف العنيدة

بقلم - د. محمود خليل

عام 1985 ظهر فيلم «الموظفون فى الأرض» فى دور السينما فى مصر، بطولة الفنان الراحل فريد شوقى، وإخراج أحمد يحيى، الفيلم كما تعلم يحكى قصة موظف كبير، على درجة وكيل وزارة، اضطر إلى احتراف التسول حتى يستطيع الإنفاق على أسرته، فى وقت كان زملاؤه يسرقون ويبنون العمارات، وكان بيده أن يفعل مثلهم، لكنه ترفع عن ذلك.

ينتهى الفيلم بمشهد شديد الإثارة يقف فيه وكيل الوزارة فى قفص المحاكمة يدافع عن نفسه، ويحكى للعدالة قصته، ووصوله إلى مرحلة عجز عن الإنفاق على أسرته، وقف أمامها حائراً أمام طريقين: يا أشحت يا أسرق، وقد اختار التسول.

الهدف من الفيلم -كما هو واضح من محتواه- يتمثل فى شرح الوضع الاقتصادى المتدنى الذى وصل إليه الموظفون، لكن الأثر الذى تركه فى عقول وأفئدة المشاهدين كان بالغ الدهامة، فقد اعتبر البعض أن عبارة: يا أشحت يا أسرق الأكثر تعبيراً عن الطريقين الأكثر نجاعة، اللذين يجب أن يسلكهما الفرد فى الحياة فى مواجهة الضغوط المعيشية. لم تكن على سبيل المثال فكرة الاجتهاد أو محاولة تحسين الأوضاع، أو القناعة والرضاء بالقليل، مطروحة، إلا قليلاً.

وأخشى أن أقول إن صناع الفيلم ساهموا نسبياً فى نشر هذه الفكرة: من خلال التركيز على ما تلقيه الدروس الخصوصية من عبء مادى على كاهل الأسرة، دون التفكير فى المسار البديل القائم على الاجتهاد الذاتى للتلميذ، فى محاولة للتواؤم مع الظروف العنيدة، وكذلك التركيز على تكاليف الزواج الباهظة، وعدم التفكير فى أن الوفاق مع القليل خير من عدم الاستقرار مع الكثير، وأن اللازم والمهم من متطلبات الزواج أجدى وأنفع من الكماليات التى ترهق الأسر.

التفكير البديل فى مواجهة ضغوط الحياة لم يكن حاضراً فى وجدان الكثيرين وهم يشاهدون فيلم «الموظفون فى الأرض»، بل بات بعضهم يرى أن الحل فعلاً فى أحد المسارين اللذين طرحهما البطل، السرقة أو التسول. أدى المسار الأول بالطبع إلى انتشار فساد ضرب بأطنابه فى العديد من مجالات الحياة، بدءاً من التسعينات. لا أقول طبعاً إن الفيلم كان سبباً فيه، فقد كان الواقع للأسف مهيأ له، وجاء الفيلم كمجرد أداة تنشيط أو تبرير للفكرة. وتنوعت صور وألوان الفساد ما بين السرقة الصريحة واستغلال النفوذ، أو الاستثمار فى الوظيفة، أو نهب البنوك، أو الاتجار غير المشروع، أو أعمال السمسرة التى تؤدى إلى التخريب وغير ذلك.

ومن لا يملك مربعاً يستطيع أن يلعب فيه لعبة الفساد اتجه إلى الطريق الآخر المتمثل فى «التسول». أصبح مد اليد طريقاً سهلاً بالنسبة للبعض للحصول على دخل، ولم تعد المسألة تتعلق بالحصول على غذاء أو كساء أو دواء، بل تمددت أهداف التسول إلى ما هو أبعد، وباتت السخرية من المتسولين الذين يمدون أيديهم من أجل دفع اشتراك خط الموبايل أو اقتناء أحدث جهاز صدر منه جزءاً من منظومة النكتة المصرية.

لم يضر الكثيرون أنفسهم بفكرة كما أضروا أنفسهم بهذه الفكرة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الظروف العنيدة الظروف العنيدة



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 23:48 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
  مصر اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض  وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 10:20 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن
  مصر اليوم - فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن

GMT 03:10 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

داليدا خليل تستعد للمشاركة في الدراما المصرية

GMT 21:21 2015 الأربعاء ,15 إبريل / نيسان

أهالي قرية السلاموني يعانون من الغرامات

GMT 02:17 2016 الثلاثاء ,21 حزيران / يونيو

فوائد عصير الكرانبري لعلاج السلس البولي

GMT 01:18 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

سامسونج تكشف عن نسخة باللون الأحمر من جلاكسى S8

GMT 17:27 2022 الثلاثاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

أطعمة تمنع مرض الزهايمر أبرزها الأسماك الدهنية

GMT 15:02 2021 الإثنين ,11 تشرين الأول / أكتوبر

ريلمي تعلن موعد إطلاق النسخة الجديدة من هاتف Realme GT Neo2T

GMT 13:46 2021 الثلاثاء ,05 تشرين الأول / أكتوبر

رامي جمال يروج لأغنية "خليكي" بعد عودة انستجرام

GMT 04:47 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

{غولدمان ساكس} يخفض توقعات نمو الاقتصاد الأميركي

GMT 05:00 2021 الأربعاء ,14 تموز / يوليو

تفريغ 964 طن حديد في ميناء غرب بورسعيد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon